"
في إحدى العائلات الغنية في باريس كانت الحسناء أفروديت برايتون تعيش في منزل كبير رائع البناء وكانت
تملك من الجمال ما تحسده عليها النساء الأخريات،فهاهو ذا شعرها البني قد انسدل على أكتافها وهاهو
جسدها قد برز ونمى كما لم يبرز جسد امرأة هكذا من قبل وعيناها قد التمعتا بزرقة أخاذة،وتلك الشفة
الساحرة التي تدعو إلى التقبيل،والقوام الممشوق والبياض الناصع،صفات كثيرة انطبقت عليها فكانت تستحق
أن تسمى بأفروديت تيمناً بإله الجمال أفروديت،وكانت تعيش حياة رفاهية وترف فما كان ينقصها شيء من
ملذات الحياة،ولم تكن ترغب في شيء إلا وينفذ لها،ومع ذلك عاشت أفروديت حياة بائسة فرغم كل ما لديها
من مال وجمال إلا أنها كانت تشعر بوحدة قاتلة،إذ أن والدها السيير برايتون كان رجل أعمال مهم وكان دائم
الانشغال في أعماله ولا يرى في المنزل إلا نادراً،أما أمها فكانت مصممة أزياء مشهورة،وكانت هي الأخرى
دائمة الانشغال وتقضي معظم وقتها متجولة في الأسواق،وهكذا عاشت أفروديت وحيدة ولم يكن هناك ما
يؤنسها في هذه الحياة.
وبحكم هذا الملل كانت أفروديت مضطرة إلى قضاء معظم وقتها مع عمها المتهور الذي يتنقل بين الحانات
ليكسب نقوده عن طريق المراهنات التي يعقدها مع الناس،وكان يراهن على أي شيء سواء مبارزة أو سباق
خيل أو مشاجرة،ومن حسن حظه أنه كان يربح دائماً ويكسب مبلغاً جيداً،ولكن ذات يوم تخلى عنه الحظ فدفع
ثمنه غالياً.
ذهبت أفروديت مع عمها وتسون إلى إحدى الحانات كالعادة وما إن دخلا حتى أخذت عيون الرجال تصور
حركاتها وترصدها،وبينما كان عمها وتسون يبحث عن رهان جديد إذ وجد شاباً وسيماً في مقتبل العمر وقد
أحيط بكل مظاهر الثراء والترف كما أحيط بالنساء الجميلات،والحراس الغلاظ،فرأى وتسون في هذا الشاب
طريدة سهلة،وصيداً وفيراً،نظراً لصغر سنه،وقلة خبرته وطيشه،ولكن الظنون لا تصيب دائماً فرب صغير في
السن كبير في العقل،وعرض وتسون عليه أن يتراهنا على شيء يدفع مقابلها الخاسر للفائز أغلى ما يملك،
فنظر إليه الشاب بازدراء ورأى أنه لن يكسب شيء من هذا التحدي إلا مضيعة الوقت بالنظر إلى الشكل
والمظهر الذي كان عليه وتسون،ولكنه ما لبث أن غير رأيه عندما رأى أفروديت الحسناء قد وقفت إلى جانب
عمها وكأنها تمثال نادر قد صممه أبدع فنان،فسأل وتسون عن هوية الحسناء التي بجانبه،فأجابه وتسون
أنها ابنة أخيه الوحيدة والمدللة،فقال الشاب في شكك:
هل قلت أنك تريد أن تراهنني على شيء يدفع الخاسر لخصمه أغلى ما يملك؟
فأومئ وتسون برأسه مسرعاً وقال:
نعم يا سيد....
ووقف الشاب في تثاقل وقال:
ويليام هاملتون..ما نوعية الرهان الذي تريده؟
ــ لا أشترط..أقبل بأي شيء أكسب من ورائه مالاً.
وأخذ الشاب يفكر في رهان ولكن قريحة الشاب الوسيم أتته مسرعة،وقرر التراهن بالتصويب على
الأهداف،وهي كؤوس مليئة بالخمر مصطفة في صف واحد متناسق،ومن يصيب أكبر عدد منها يربح الرهان
ووافق وتسون على ذلك،وبدأت المسابقة فأخذ الاثنان يطلقان بمسدسيهما على تلك الكؤوس،وقد كان ويليام
بارعاً في التصويب فأصاب معظم الكؤوس،بينما لم يستطع وتسون أن يحقق ذلك،وبهذا ربح السيد ويليام
هاملتون الرهان،وعلى وتسون الآن أن يسلمه أغلى ما يملك،ولكن وتسون نظر إلى ذلك الشاب مبتسماً وقال:
كما ترى إنني فقير،وشبه معدم،ولهذا فليس لدي ما أعطيك إياه،قد يبدو في نظرك ذا قيمة،وحتى أنني لا
أملك منزلاً خاصاً بي بل أعيش مع أخي..فماذا تريد؟
فابتسم ويليام ابتسامة خبيثة وقال:
بل لديك شيء يحلم به كل رجل.
ونظر ويليام إلى أفروديت وقال:
هذه الفتاة الحسناء.
وتعارت الدهشة الشديدة على وجه أفروديت،فقد انتقلت الآن من مجرد مشاهدة،إلى رهان يدفع،فرد وتسون
بسرعة قائلاً:
لكني أخبرتك أن هذه الفتاة ليست لي بل هي ابنة أخي وليس لي سلطة عليها.
ــ الرهان رهان أيها العجوز،سآخذ هذه الحسناء وأترك عذر اختفائها عليك لتنقله إلى أخيك.
وأشار إلى الرجلين اللذين كانا برفقته،فتوجها إلى أفروديت وحملها أحدهما على ذراعه،وذهبوا بها،رغم
صرخاتها المتعالية وضرباتها المتتالية،إلا أن الأمر قد حدث وانتهى،وضاعت أفروديت من عمها،ولم يرها بعد
ذلك اليوم،ولقد لقي أشد العقاب من والديها،وزج في السجن.
أما أفروديت فقد وجدت نفسها في منزل ضخم ريفي يطل على بحيرة متلألئة،تمتلئ بالبجع والبط،وهناك
حديقة واسعة للمنزل أيضاً،وكان المنزل من أروع ما يكون،ولكن سؤالاً محيراً كان يجول في عقل أفروديت
منعها من رؤية كل هذا الجمال الذي أحيطت به،ألا وهو...لما هي هنا؟..وماذا يريد منها هذا الشاب؟
زهرة المحيط
مشاهدة الملف الشخصي
مشاهدة الموقع المفضل لـ زهرة المحيط
البحث عن المزيد من المشاركات التي كتبت بواسطة زهرة المحيط
27-06-2006, 16:53 #4
زهرة المحيط
kimi ga suki
تكملة القصة
--------------------------------------------------------------------------------
ولكن ويليام قرأ ذلك في عينيها قبل أن تنطق بها شفتاها فقال لها مسرعاً:
لا بد أنك تتساءلين عن سبب وجودك هنا،وماذا سأفعل بك؟..أليس كذلك؟
فأومأت أفروديت برأسها مسرعة،وابتسم الشاب ابتسامة خفيفة وقال:لا تقلقي أنا لن ألحق بك أي أذى،فمنذ
اللحظة الأولى التي رأيتك فيها سحرت بك،وأيقنت أنني لو جلت العالم كله لن أجد من تناسب أن تكون زوجة
لي أكثر منك.
وهنا تعارت على وجه أفروديت دهشة شديدة وقالت:
زو..زواج!!
وأمسك ويليام يدها وقال:
نعم..أريدك أن تكوني زوجتي،وأعدك أنني سأحاول المستحيل لأحقق لك كل ما تحلمين به،وأن أجعلك
سعيدة معي مدى الحياة.
وعندما سمعت أفروديت هذا الكلام أبعدت يدها مسرعة عنه وقالت:
من له نية صادقة في الزواج لا يجعل الآخرين رهاناً بل يأتي كرجل محترم ويطلب يدي من أبي للزواج.
فقال ويليام:
لقد التقيتك صدفة في ذلك الملهى ولم يتسنى لي الوقت الكافي للتفكير.
ــ حقاً؟..إذاً أنا آسفة ولكني لن أقبل بهذا الزواج
.
وعندها تعالت على وجه ويليام علامات الغضب الشديد وقال في غضب:
لست مضطراً لأرجوك هكذا،ولكني فعلت ذلك من باب الأدب وحسب،ولكني كسبتك في الرهان،وأنت الآن
ملكي،وأستطيع أن أفعل ما أشاء بك،لذلك سنتزوج في الغد..شئت أم أبيت.
وهكذا جرت الأمور،وانقلبت حياة أفروديت من مجرد فتاة مدللة لا يعصى لها أمر،إلى جارية تجبر على فعل ما
لا تريده.
وفي صباح أحد الأيام أقيم احتفال الزواج،وحضر العديد من الضيوف،وقد شهدوا احتفالاً لم يروا مثله من
قبل،فقد افترشت الأرض بأوراق الأزهار الحمراء،وامتلأت الموائد بأصناف الطعام المختلفة،ورقصت الجاريات
الجميلات،وصب الشراب المسكر،وامتلأت القاعة بألوان المتعة والتسلية،ورغم ذلك كله لم تتوقف دموع
أفروديت عن الجريان على وجنتيها الحمراوين،بينما كانت الجاريات يزينها ويجهزنها من أجل الاحتفال،وقد
غسلت بماء الورد وزين عنقها بالعقود البراقة،وزينت يدها بالخواتم اللامعة،وارتدت ذلك الفستان الأبيض
الناصع،المرصع بالجواهر واللؤلؤ الذي يأخذ الأبصار،فبدت وكأنها ملاك طاهر قد نزل من السماء العالية ليطهر
الأرض من الشرور والآثام،ولم يتمالك ويليام نفسه عندما رأى أفروديت بتلك الهيئة،فجثا على ركبتيه وقال:
فا لتطهريني من خطاياي،ولتأخذي روحي إليك ولتمزجيهما معاً لنصبح جسداً واحداً لا يفترق
.
وهكذا قرعت الطبول،ورشت العطور،وامتلأت القاعة بالبخور،ونثرت الجاريات أوراق الورود المعطرة على
العروسين،ودقت الأجراس،وعقد القران بين العروسين وألبس وليام عروسه خاتماً من الألماس الخالص المرصع
بالذهب،وأندر الجواهر،ثم قبلها قبلة الزفاف الحارة،وقد أثار أضحوكة الناس عندما أطال في تقبيلها،ثم حمل
عروسه إلى عشهما،في عربة تجرها أربع جياد بيضاء حريرية الشعر،مزينة بالجواهر والألماس،وانطلقت
الجياد بحوافرها السريعة تركض أمام الضيوف وسط التهليل والتصفيق الحار.
وهكذا كان الزفاف الذي أسرف ويليام في جعله أروع زفاف في ذلك العصر.
وبذلك أمضى ويليام و أفروديت أول ليلة لهما في غرفتهما الوردية،وقد أغرق ويليام أفروديت بقبلاته الحارة
ومعانقاته العاطفية،وهكذا عاش ويليام محاولاً إسعاد أفروديت بجميع الوسائل،وقد كانت هوايته المفضلة هو
أن يأخذها في جولة على متن جواده البني في حديقته الواسعة،المفروشة بأنواع الزهور النادرة
والأشجار المظللة،والعصافير المغردة التي تتنقل بين الأشجار لتضيف روعة وجمالاً إليها،وذلك النهر الجاري
بين حقول الأزهار الممتدة الزاهية،فكانت أشبه بالجنة التي يحلم بها كل إنسان،وقد كانت أفروديت تجلس
وسط تلك الأزهار فتصنع منها عقوداً،أو تتنشق روائحها الزكية،كما أن إحدى أفضل هوايات ويليام أيضاً هي
العزف على البيانو في الغرفة الخاصة لذلك،بينما كانت أفروديت ترقص على الأنغام التي يعزفها،فتتلوى
أمامه في براعة ساحرة،وقد كانت أفروديت تتقن هذا الرقص وتتفنن في أدائه،ولا يخفى عليكم التماثيل
الكثيرة التي صممها ويليام لها في أوضاع متعددة،وقد استأجر أبرع الناحتين لذلك،ولا الصور التي رسمت
لها،لتجسد جمالها الخالد على تلك الألواح التي رسمها لها أشهر الفنانين وأبرعهم.
هكذا عامل ويليام أفروديت فأحبها بكل جوارحه،بل إنه تخطى حدود الحب العادي،فأصبح يقدسها،ويعظمها
كما لو أنها ملاك حقيقي،بل إنه دائماً ما كان يجيب عندما يُسئل عن كيفية التقائه بأفروديت الحسناء
فيقول:"بأنها ملاك طاهر قد نزل عليه من السماء العالية بتلك الأجنحة الناصعة البياض،وقد تخلت عن تلك
السماء الواسعة لتعيش في كنفه بعدما وعدها بأنه سيجعلها أسعد مخلوقة في هذا العالم"وهكذا وفى ويليام
بوعده كما يزعم،فوفر لها ألوان السعادة،وأحبها كما لم يحب زوج زوجته هكذا من قبل.
ولكن وكما يقول المثل:"دوام الحال من المحال"فرغم كل ما كان ويليام يفعله لأجل أفروديت لم تحبه هي
بالمقابل قط،وظنت أن كل ما في الأمر هو مجرد طيش شباب،وحب أعمى،وأنه عندما يدرك أنها لا تبادله
الشعور نفسه،وأنه ميئوس منها،سيتركها تذهب وشأنها،
هذا ما اعتقدته أفروديت،ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن،فهاهي ثمرة الليالي الحمراء قد أينعت
وحان قطافها،وانتفضت أفروديت مسرعة في أحد الليالي عندما شعرت بتلك الضربات الخفيفة في
بطنها،فأدركت أن الأمور لن تجري كما خطط لها،وظهرت لها مشكلة جديدة،فماذا ستفعل الآن بهذا الجنين
الموجود في رحمها؟هل تخبر ويليام عنه؟ولكنه سيتمسك بها أ كثر إن فعلت ذلك!،إذاً فهل تكتم ذلك عنه إلى
أن تعرف ماذا ستفعل؟ولكن ما هي العواقب إن فعلت ذلك؟،أسئلة كثيرة ومشاعر متضاربة كانت تدور في
نفس أفروديت،ولكنها اتخذت قرارها في النهاية،وهو إخفاء أمر الجنين عن ويليام ومحاولة إسقاطه.
وهكذا حاولت أفروديت بجميع الوسائل والطرق أن تسقط ذلك الجنين،إلا أن التصاق ويليام بها،وعدم مفارقته
لها إلا نادراً منعها من ذلك،ومرت الشهور وبدت علامات الحمل واضحة للعيان رغم محاولات أفروديت المضنية
لإخفائه،وقد كان ويليام يسألها دوماً عن سر هذا الانتفاخ في بطنها،فتجيبه بأنه ألم في البطن أو سمنة أو
بسبب مرض ما نتج عنه ذلك،ومن شدة سحر ويليام وحبه لها صدق كل ما تقوله دون أي جدال أو نقاش،ولكنها
لم تعد تستطيع إخفاء الأمر أكثر،خاصة عندما اشتد عليها الألم في إحدى الليالي فلم تستطع تحمله،ونقلت إلى
المشفى،وهنا كانت المفاجئة فقد وصل ويليام نبأ حمل زوجته وإنجابها،فأدرك ما كانت تحاول أفروديت
إخفائه عنه منذ عدة أشهر.
وهكذا انضم فرد جديد للعائلة وهي الفتاة الصغيرة كرستين،وقد أحبها ويليام كما أحب أفروديت تماماً،
فحقق لها كل ما تتمناه وابتاع لها كل ما تقع عليه عيناها الزرقاوين ،وقد كان يخاف عليها كثيراً،لدرجة أنه
منعها من الذهاب إلى المدرسة خوفاً عليها،بل جلب المدرسين الخصوصيين لها في المنزل.
وهكذا عاش ويليام يبذر ماله،ويوزع قلبه على أفروديت وكريستين،وكان يستمتع جداً بهذا التبذير حتى عندما
كان كبير الخدم لديه ينصحه بعدم الإسراف كان يجيب دائماً:و يالها من لذة في الإسراف إذا كان على من أحب.
ولكن لا أحد يعلم ما يخفيه القدر لهم ..................