أحمد فؤاد نجم أحد أهم شعراء العامية في مصر و أحد أشهر اليساريين في مصر و أحد ثوار الكلمة واسم بارز في الفن والشعر العربي الملتزم بقضايا الشعب و الجماهير الكادحة ضد الطبقات الحاكمة الفاسدة ، وبسب ذلك سجن ثمانية عشر عاما. يترافق اسم أحمد فؤاد نجم مع ملحن و مغن هو الشيخ إمام ، حيث تتلازم أشعار نجم مع غناء إمام لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة حزيران 1967.
قال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراجون: إن فيه قوة تسقط الأسوار، وأسماه الدكتور علي الراعي "الشاعر البندقية" في حين يسميه: أحد الحكام العرب وهو أنور السادات: "الشاعر البذيء".
* نشأته وولادته
ولد أحمد فؤاد نجم لأم فلاحة أمية من الشرقية (هانم مرسى نجم) وأب يعمل ضابط شرطة ( محمد عزت نجم ) وكان ضمن سبعة عشر ابن لم يتبق منهم سوى خمسة والسادس فقدته الأسرة ولم يره، التحق بعد ذلك بكتّاب القرية كعادة أهل القرى في ذلك الزمن.
عمل راعيا للبهائم في قريته ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه وعمره 17 عاما , وهناك التقى بعمال المطابع الشيوعيين في مدينة فايد التي كان يحتلها الإنجليز فاحتك بهم، كما علّم نفسه القراءة والكتابة، ومن هنا بدأ وعيه السياسي في التبلور والتشكل، حيث شارك مع آلاف الجماهير الغاضبة في المظاهرات التي عمت مصر سنة 1946.
ومن سنة 1951 إلى سنة 1954 اشتغل عاملا في السكك الحديدية، ثم نقل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية حيث عمل ساعيا للبريد، وعن هذه المرحلة يقول "كنت أعيد اكتشاف الواقع بعد أن تعمقت رؤيتي وتجربتي، وشعرت حينئذ رغم أني فلاح وعملت بالفأس لمدة ثمان سنوات أن حجم القهر الواقع على الفلاحين هائل وغير محتمل، وكنت أجد في الواقع المصري مرادفات قوية لما تعلمته نظريا. لقد كان التناقض الطبقي بشعا"
بعدها بسنوات عمل بأحد المعسكرات الإنجليزية وساعد الفدائيين في عملياتهم، بعد إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية دعت الحركة الوطنية العاملين بالمعسكرات الإنجليزية إلى تركها فاستجاب نجم للدعوة وعينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي وفي تلك الفترة قام بعض المسئولين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن قرة ميدان حيث تعرف هناك على أخوه السادس (على محمد عزت نجم) وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب و الفنون وفاز بالجائزة وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية (صور من الحياة والسجن) وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن
*بين قضبان السجون وتوالي الاحداث.
بعد خروجه من السجن عُين موظفا بمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الأفريقية وأصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية وأقام في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام في حارة حوش آدم ليقرر أن يسكن معه و يرتبط به حتى أصبحا ثنائيا معروفا ، وبدأت رحلتهما مع الأغنية الملتزمة التي أطربت الجماهير الكادحة طوال أكثر من عقدين من الزمن رغم كل أسباب الحصار والاحتواء المتنوعة التي فرضت عليها وكانت أول أغنية جمعتهما هي "أنا أتوب عن حبك أنا".
وتعتبر سنة 1967 بداية الانطلاقة الحقيقية لتجربة الثنائي، وتزامن هذا مع حدثين هز كيانه بشكل عميق:
الحدث الأول: نكسة حرب حزيران، حيث كتب قصيدة "بقرة حاحا" ردا على تلك النغمة الانهزامية التي قادتها جريدة الأهرام حين قدمت "منطقا متكاملا " يقول أن مصر الفقيرة المتخلفة ليس في مقدورها أن تناطح الثور الأمريكي، لهذا جاءت "بقرة حاحا" المسلوبة نطاحة رغم كل شيء. فكانت ردا شعبيا من موقع الجرح الغائر ضد الذين يريدون تغلغل الهزيمة وتكريسها.
الحدث الثاني: اغتيال المناضل الكوبي ارنستو تشي غيفارا الذي كان يرى فيه نجم رمزا أمميا، ونموذجا متكاملا لتكامل الفكر والممارسة، يشحن معنوياته ويشعره بالاطمئنان الداخلي لعدالة قضيته، والذي كتب عنه قصيدته الشهيره "غيفارا مات" .
وفي 15 مايو 1969 وبعدما كان نجم ينوي إعلان خطبته يتم اعتقاله من جديد، ثم التحق به الشيخ إمام، وقد تعرضا خلال هذه السنة خاصة لضغوطات قوية للتراجع عن إنتاجاتهما والتصالح مع السلطة، ورغم كل الإغراءات كان الرفض والانصياع سمة الثنائي المميزة لهما، حيث شاعت وانتشرت إبداعاتهما التي اكتسبت من مرارة الوضع وفظاعة الهزيمة لذغتها وقسوتها وغنائيتها!
وفي 21 أكتوبر 1971 يتم إطلاق سراحهما بعد جهود كبيرة من طرف المثقفين وضغوطات قوية من العمال والطلبة، بعد أن ملأت ظاهرة نجم –إمام مصر كلها.
وقد كانت قصائد نجم وألحان إمام تتسرب من السجن رغم احتياطات المخابرات العامة حيث يقول نجم في محاولة تفسير هذا اللغز "كنت أكتب القصيدة بدون ورقة، ولا قلم ثم أقرأها على الطلبة المعتقلين من فتحة الزنزانة مرة أو مرتين، وكان هناك طلبة مثل آلة التسجيل يحفظونها بسرعة وعندما يتوجهون إلى المحكمة ويقابلون أحد أفراد عائلتهم يملون علينا القصيدة، فتنتشر بعد ذلك في المجلات الحائطية وفي أوساط الطلبة، وكان جهاز المباحث يكاد يجن، لأنه لم يستطع اكتشاف الطريقة التي تتسرب بها القصائد من داخل السجن"!!
وفي سنة 1972 تم اعتقاله من جديد لمدة 65 يوما بتهمة التضامن مع الطلبة.
في 7 ابريل 1982 وبعد محاولات شاقة، تمكنا من الخروج من مصر، والسفر إلى مجموعة من الدول للتعريف بفنهما خاصة والأغنية الملتزمة عامة، حيث تمت استضافتهما في فرنسا أولا عبر وزارة الثقافة، بعدها أحيوا حفلات عالمية في مجموعة من البلدان الأوروبية،لكن حينما عرجا على بعض الدول العربية بدأت تفتر العلاقة بين الفنان والشاعر خاصة في محطة الجزائر، حيث بدأت الخلافات تذب وتشتد بسبب تدخل بعض العناصر المختلفة في علاقاتهما الشخصية.
ويلخص الباحث إدريس مسكاوي لغز الفتور بين نجم وإمام في قوله: "إن فشل هذه التجربة وخروجها عن السكة الأصلية كانت له أسباب غامضة وغير واضحة استغلتها الصحافة والأقلام المضادة للنيل منها وتشتيتها"
ومهما يكن الأمر، وكيفما كانت النتائج البحوث في موضوع أسباب الفراق، سيبقى عمل الثنائي ظاهرة فريدة من نوعها عرفتها الشعوب العربية في تاريخها الفني والمعاصر ووصمة عار على جبين المرعوبين"
أصدر أحمد فؤاد نجم - على حد علمنا- ثمانية دواوين شعرية وهي: صور من الحياة والسجن، عيون الكلام، العنبرة، يعيش أهل بلدي، أغنيات الحب والحياة، مصر، الطير المهاجر..
وكخلاصة فإن أهمية قصائد أحمد فؤاد نجم واللحن المميز الذي أداه ببراعة الشيخ إمام تكمن في كونها ترسم لنفسها رؤية واضحة لا غموض ولا لبس فيها، تستند لمخاطبة الجماهير وجدانيا لتعبئتها سياسيا، وتأطيرها بلغة بسيطة تفهمها، وتستوعب عمق مدلولاتها، وهذا ليس بعسير على نجم مادام أنه نضج وتكون وسط ثقافة شعبية استوعب أدواتها جيدا، فوظفها في قصائده الزجلية التي كانت ثورة بحق في الشعر المصري المعاصر آنذاك، كما أن انتمائه الطبقي ألهمه عدم التصنع فكما يقول " لست سائحا، ولا أتكلم عن الناس، بل أتكلم وباعتباري جزءا منهم
صور المقال