من فتاوى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي:
السؤال: هل يجب على العاصي أن يتوب فور المعصية؟ أم يجوز تأخيرها؟ فكثير من العصاة يقولون: نحن نعلم أنه يجب علينا أن نتوب، ولكنهم يؤخرون التوبة حتى يشبعوا من المعصية! فطالما أن التوبة ستجب الذنوب فلم العجلة، فلنؤخرها حتى نأخذ حظوظنا من المعصية.. فما حكم الدين في ذلك ؟
الإجابة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
إذا كانت التوبة واجبة على المؤمنين جميعًا، فإن الإتيان بها على الفور: واجب آخر، فلا يجوز تأخيرها ولا التسويف بها، فإن ذلك خطر على قلب المتدين، إذا لم يسارع بالتطهر أولا بأول، فيخشى أن تتراكم آثار الذنوب، واحدًا بعد الآخر، حتى تحدث سوادًا في القلب، أو زيفًا فيه. كما جاء في الحديث الذي رَواهُ أبو هُريرةَ.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، فذاك الران الذي ذكر الله تعالى: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (رَواهُ التّرمذيُّ (3331) وقال: حسن صحيح، وكذلك النسائيُّ، وابن ماجه (4244) وابن حِبَّان في صحيحه كما في الموارد (2448) وَالحَاكِمُ وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (517/2)، والآية من سورة المطففين: 14).
وقال ابن القيم:
المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقى عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة! وقل أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقى عليه التوبة من تأخير التوبة. ا.هـ.
وأخطر شيء على من وقع في المعصية هو: التسويف بمعنى أن يقول: سوف أرجع، سوف أتوب، ولا يفعل، ولهذا قيل: (سوف) جند من جنود إبليس! وقيل: أكثر أهل النار المسوفون. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون: 9