جاء الإسلام ليحرر الناس من الأوهام والأباطيل في أي صورة كانت، وفي سبيل ذلك ربط الناس بسنة الله تعالى في خلقه، وأمرهم باحترامها ورعايتها، إن هم أرادوا السعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة. ومن أجل هذا شن الإسلام حملة واسعة على ما أشاعته الجاهلية من خرافات وأوهام ما أنزل الله بها من سلطان، ولا قام عليها برهان، وشدد النكير على أصحابها والمتجرين بها في سوق التضليل والاستغلال للغافلين من العوام وأشباه العوام الذين لا يخلو منهم مجتمع في أي عصر كان. ومن ذلك: السحر والكهانة والعرافة والتنجيم، وادعاء معرفة الغيب المستور بوسائط علوية أو سفلية تخرق حجاب الغيب، وتنبئ عما يكنه صدر الغد المجهول، عن طريق النجوم أو الاتصال بالجن، أو الخط في الرمل، أو غير ذلك من أباطيل الجاهليات شرقيها وغربيها. وحسبنا أن نقرأ بعض آيات القرآن الكريم، وبعض أحاديث النبي الكريم، لنتبين ضلال هؤلاء الأفاكين.
يقول الله تعالى في سورة النمل: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل:65) . فقد نفى عن أهل السموات والأرض علم الغيب، الذي خص به نفسه سبحانه. وفي سورة الأعراف: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:188) . فقد أمر خاتم رسله هنا أن يعلن أنه لا يعلم الغيب المستور، ولهذا يصيبه ما يصيب غيره من البشر، ولو كان في قدرته معرفة الغيوب المكنونة لاستكثر من الخير وما مسه السوء. وفي سورة الجن يقول تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (الجـن:26-27) . فوصف الله تعالى نفسه بأنه وحده عالم الغيب، وأنه لا يطلع على هذا الغيب أحدًا من خلقه، إلا من ارتضى من رسول، وأنه يعلمه منه بقدر ما تقتضيه مشيئته وحكمته. وتقرأ في أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" رواه مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. " من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه البزار بإسناد جيد قوي عن جابر. " من أتى عرافا أو ساحرًا أو كاهنا، يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه الطبراني عن ابن مسعود ورجاله ثقات. والعراف والكاهن والمنجم كلهم من فصيلة واحدة، وهم الذين يدعون معرفة الغيوب والمضرات عن طريق الجن والنجوم وغيرها.
وقد كان لكثير من الأمم اعتقادات في النجوم وتأثيرها في أحداث الكون، حتى ألّهها بعضهم وعبدوها من دون الله، أو أشركوها مع الله تعالى، ومن لم يعبدها صراحة أضفى عليها من التقديس ما يجعلها في حكم المعبود! ومن بقايا ذلك: الاعتقاد بأن ما يجري في عالمنا الأرضي من أموره، له صله بتلك النجوم العلوية، إيجابًا أو سلبا، وأن السعود والنحس، والسرور والحزن، والغلاء والرخص، والسلم والحرب، مرتبطة بحركات الأفلاك وسير النجوم. وهذا ما يرفضه الإسلام جزمًا، فالنجوم ما هي إلا جزء من مخلوقات الله تعالى في هذا الكون العريض، والعلوية والسفلية بالنسبة لها أمور نسبية، وهي كائنات مسخرة لخدمتنا كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). (الأنعام: 97). وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل:12)