أن ترك الفوائد للبنوك وبخاصَّة الأجنبية حرام بيقين، وقد صدر ذلك عن أكثر من مجمع، وخصوصًا مؤتمر المصارف الإسلامية الثاني في الكويت.
أما الأمر المشروع في هذا المقام، فهو دفع هذه الفوائد ومثلها كلُّ مال من حرام في جهات الخير، كالفقراء والمساكين، واليتامي وابن السبيل، والجهاد في سبيل الله، ونشر الدعوة إلي الإسلام، وبناء المساجد والمراكز الإسلامية، وإعداد الدعاة الواعين، وطبع الكتب الإسلامية، وغير ذلك من ألوان البرِّ، وسُبُل الخير.
وقد نوقش هذا الموضوع في أحد المجامع الإسلامية، وكان لبعض الأخوة من العلماء تحفُّظ علي إعطاء هذه الفوائد للفقراء والمشروعات الخيرية، إذ كيف نطعم الفقراء الخبيث من المكاسب؟ وكيف نرضي للفقراء ونحوهم ما لا نرضاه لأنفسنا؟
والحقُّ أن هذا المال خبيث بالنسبة لمَن اكتسبه من غير حلِّه، ولكنه طيِّب بالنسبة للفقراء وجهات الخير.
هو حرام عليه، حلال لتلك الجهات. فالمال لا يخبث في ذاته، إنما يخبث بالنسبة لشخص معيَّن لسبب معيَّن. وهذا المال الحرام لا بد أن يتصرَّف فيه بأحد تصرُّفات أربعة، لا خامس لها بحسب القسمة العقلية:
الأول: أن يأخذ هذا الحرام لنفسه أو لمَن يعوله، وهذا لا يجوز، كما بيَّناه.
الثاني: أن يتركه للبنك الربوي، وهذا لا يجوز أيضًا، كما ذكرنا.
الثالث: أن يتخلَّص منه بالإتلاف والإهلاك، وهذا قد روي عن بعض المتورِّعين من السلف، وردَّ عليهم الإمام الغزالي في (الإحياء) فقد نهينا عن إضاعة المال.
الرابع: أن يُصرَف في مصارف الخير، أي للفقراء والمساكين واليتامي وابن السبيل، وللمؤسَّسات الخيرية الإسلامية الدعوية والاجتماعية، وهذا هو الوجه المتعيِّن.
وأودُّ أن أبيِّن هنا أن هذا ليس من باب الصدقة، حتي يقال: "إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّبا"[1].
إنما هو من باب صرف المال الخبيث أو الحرام في مصرفه الوحيد، فهو هنا ليس متصدِّقا، ولكنه وسيط في توصيل هذا المال لجهة الخير. ويمكن أن يقال: إنها صدقة من حائز المال الحرام عن صاحب المال ومالكه.
وقد سمعتُ بعض الناس يقول: إن هذه الفوائد البنكية، إنما هي ملك للمقترضين الذين اقترضوا ما يحتاجون إليه من البنك، والأصل أن تردَّ هذه الأموال إلي أصحابها.
والواقع أن هؤلاء المقترضين قد انقطعت صلتهم بهذه الفوائد، وفقًا للعقد الذي بينهم وبين البنك، ولهذا أصبحت معدودة في عداد المال الذي لا يعلم له مالك معيَّن.
وقد عرض الإمام أبو حامد الغزالي لهذا النوع من المال، وهو ما يكون لمالك غير معيَّن، وقع اليأس من الوقوف علي عينه. قال: فهذا لا يمكن الردُّ فيه للمالك، ويوقف حتي يتَّضح الأمر فيه، وربما لا يمكن الردُّ لكثرة الملاَّك، كغلول الغنيمة. فهذا ينبغي أن يُتصدَّق به. أي نيابة عن الملاَّك