ما أضاع المسلمين إلا الإفراط والتفريط، فبعضهم يسرف في الاعتقاد حتى يؤمن بالخرافة، ويتبرك بالأحجار والآثار التي لم يشرعها دين، ولم يأذن بها الله وآخر يُقتِّر في الاعتقاد حتى يثير الشبهات حول الحجر الأسود نفسه، غير أن الحق بين الاثنين . فالإسلام قد أبطل التبرك بالأحجار كلها، لم يستثن من ذلك إلا الحجر الأسود للحكمة التي تترتب على هذا.
والحجر الموجود في طنطا كسائر الأحجار، ليس هناك تاريخ يثبت أن هذا الحجر من عهد رسول الله، ولا أن أثر القدم هو أثر قدمه عليه السلام، وليس عند أحد، سند بهذا أبدًا.
هذه واحدة .. والثانية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أمته بالتمسح والتبرك بمواضع أقدامه، وتعظيمها إلى درجة التقديس، وإنما كان يحذر من كل ما يشم منه رائحة الغلو في التعظيم، ويوصد كل باب يخشى منه دخول الفتنة، لهذا قال عليه السلام: " لا تتخذوا قبري عيدًا "، " لا تتخذوا قبري وثنًا يعبد " . " لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". وكان أصحابه على هديه كذلك .. أسرع عمر بقطع شجرة الرضوان التي بايع المؤمنون رسول الله تحتها في الحديبية، وجاء ذكرها في القرآن، قطعها رضي الله عنه حين رأى بعض الناس يذهبون إليها متبركين. إن تقبيل الحجر الأسود أمر " تعبدي " والأمور التعبدية امتثال محض لله يوقف عندها ولا يقاس عليها غيرها . وما أحسن قول عمر: " لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك ". وأما استناد بعضهم إلى حديث: " لو اعتقد أحدكم في حجر لنفعه " فإنه استناد إلى باطل صراح، والحديث قال فيه ابن حجر: لا أصل له، وقال ابن تيمية: موضوع.
والله أعلم