الحمد لله القائل ( كُل نفس ذائقة الموت )
والقائل ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )
والقائل { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }
والقائل { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة }
ورضي الله عن ابن عمر حين قال ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) رواه البخاري
يا من بدنياه اشتغل .. وغره طول الأمل
الموت يأتي بغتة .. والقبر صندوق العمل
هل تأملتم أحبتي قصر الحياة وتقارب الزمان ..
الأسبوع والشهر والسنة جميعها متقاربة جدا ..
هل تأملت هذه السرعة والأيام تطوى ..
يبدأ اليوم وينتهي ويبدأ الثاني وينقضي ..
وينتهي الأسبوع ومن الجمعة إلى الجمعة كأنها والله دقائق وليست أيام ..
بل هل تتذكرون دخول رمضان الفائت ومرارة خروجه .. وفرحة العيد .. والله يا أخوان إنها جميعاً مصداقاً لقول
الحبيب صلى الله عليه وسلم ( لا تقوم الساعةُ حتى يتقاربَ الزمانُ ، فتكون السنةُ كالشهر ،
والشهرُ كالجمعة ، وتكون الجمعةُ كاليوم ، ويكون اليومُ كالساعةِ ، وتكون الساعةُ كالضَّرْمةِ من النار ) رواه الترمذي ..
والمصيبة أننا نعلم أنها تذهب من أعمارنا ونبقى على معاصينا .
ألم تقرأ { أَلْهَكُمُ التَّكَّاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ *
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
جاء في تفسير ابن عثيمين رحمه الله تعالى لهذه السورة :
أي شغلكم حتى لهوتم عن ما هو أهم من ذكر الله تعالى والقيام بطاعته، والخطاب هنا
لجميع الأمة إلا أنه يخصص بمن شغلتهم أمور الاخرة عن أمور الدنيا وهم قليل .
وأما قوله: { التكاثر } فهو يشمل التكاثر بالمال، والتكاثر بالقبيلة، والتكاثر بالجاه، والتكاثر
بالعلم، وبكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر
وتأمل قول الحبيب عليه الصلاة والسلام " مالي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها " رواه الترمذي بسند صحيح ...
لقد أشغلتنا الفانية عن الباقية .. فالكثير يهتم بجمع الأموال والقليل يهتم بجمع الحسنات ..
ولو أننا حرصنا على آخرتنا كما حرصنا على دنيانا والله لرأينا الأثر عاجلاً كما قال ابن تيمية رحمه الله ( أنا جنتي في صدري )
تأمل قول العزيز سبحانه ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )
يقول الشيخ ابن سعدي في تفسيره أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم
لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة
لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع
شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.
الموت في كل حين ينشر الكفنا
ونحن في غفلة عما يراد بنا
لاتطمئن الى الدنيا وزينتها
ولو وشحت من اثوابها الحسنا
اين الاحبة والجيران مافعلوا
اين الذين هم كانوا لنا سكنا
ساقهم الموت كاسا غير صافية
فصيرتهم لاطباق الثرى رهنا