سورة النحل
فضل السورة
عن الامام الباقر (ع) قال :
" من قرأ سورة النحل في كل شهر كفي الغرم في الدنيا ،
و سبعين نوعا من أنواع البــلاء ، أهونه الجنون و الجذام و البرص ،
و كان مسكنه في جنة عدن و هي وسط الجنــان " .
نور الثقلين - ص 38 - الجزء 3
عن النبي محمد (ص) قال :
" من قرأها لم يحاسبه الله تعالى بالنعم التي أنعمها عليه في دار الدنيا ،
و ان مات في يوم تلاها أو ليلته ، أعطى من الأجر كالذي مات و أحسن الوصية "البيان - ص 347 - الجزء 6
الإطار العام
لأن سورة النحل تذكرنا بنعم الله . حتى سميت بسورة النعم عند البعض .
و سورة النحل ( و العسل واحد من أفضل انواع الشراب ) عند الآخرين .
فان الأطار العام للسورة - كما يبدو لي - هو كيف نتعامل مع نعم الخالق ..
و جملة القول في ذلك .
1- ضرورة توحيد الله و نفي الشركاء عمن أنعم علينا .
2- تكميل نعمه التي لا تحصى باعظم نعمة و هي الوحي و الرسالة .
3- الألتزام بحدود الله في الاستفادة من هذه النعم ( التقوى ) .
كل ذلك يجعلنا من اتباع ابراهيم الخليل الذي كان شاكرا لأنعم الله .
و تكاد آيات الدرس الأول تذكرنا بكل موضوعات السورة جملة واحدة .
و تستوقفنا للتدبر الآية الثانية : " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء
من عباده * ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون " و هكذا تذكرنا بالوحي .
و التوحيدو التقوى . و هي الموضوعات الرئيسية في السورة . و التي يريدنا
الذكر الحكيم . ان نستفيدها من نعم الله . و نجعل الأيمان بها شكرا عليها :
ثم تذكرنا بآيات الله . تمهيدا لذكر النعم و اعظم الآيات خلق السموات
و الأرض و ثم خلق الانسان من نطفة . و خلق ما يحتاجه من الأنعام ..
و بعد ذكر أهم المنافع للأنعام . تبين الآية ( 9 ) ان السبيل القويم للحياة
الطيبة . و بالتالي لطريقة الأنتفاع بنعم الله . انما هو السبيل الذي يهدينا
اليه الله سبحانه اما السبل الآخرة فهي جائرة . و هكذا يصل السياق بين
نعمة الوحي و سائر النعم باعتبارهمتمما أساسيا لها .
و في الآيات (10 / 18) يذكرنا الرب بنعم الماء و الزرع و الثمرات و كيف سخر
لنا الشمس و القمر . و سخر البحر و ما فيه من نعمة الأسماك و الطرق
البحرية للتجارة . و نعمة الجبال و ما فيها من فائدة حفظ الأرض و مخازن الماء
و كيف جعل النجوم علامات .
و يأمرنا بالتفكر و التعقل و التذكر و الشكر . لعلنا نهتدي الى حقيقة التوحيد .
و ان الله الذي يخلق ليس كالشركاء الذين لا يخلقون .
و تتابع الآيات (19 / 29) التذكرة بالخالق . الذي يحيط بنا علمه . وان علينا
الخشية منه . و الا نستكبر او نستنكف عن عبادته سبحانه .
لأنه يعلم ذلك منا و انه لا يحب المستكبرين .
و يحذرنا من انكار الرسالة . و يذكرنا بمصيرالمستكبرين كيف أتى الله بنيانهم
من القواعد فاذا بالسقف يخر عليهم في الدنيا . اما في الآخرة فلهم الخزي
و النار ، و انهم أسلموا حين جاءهم ملائكة الموت فادخلوهم جهنم لأنهم تكبروا .
و يستمر السياق (38 / 44) في معالجة حالة الاستكبار ( و لعلها اعظم عقبة
في طريق الايمان بالوحي ) و ذلك بالتذكرة بالبعث . و كيف ان الهدف منه
بيان الواقع الذي يتمثل في كذب الكفار .
و في الآية (41 / 42) يذكرنا الرب بأجر المهاجرين لماذا ؟ لعل ذلك تنبيه
الى ضرورة مقاومة اغرار النعم . إذا خير المؤمن بينها وبين الحق .
و يعود و يذكرنا بالوحي . و كيف ان النبي ليس بدعا من الرسل .
و مرة أخرى (45 / 55 ) يذكرنا الله سبحانه بان الذين مكروا السيئات لا امان
لهم من مكر الله . و لعل ذلك لكي يعالج غرور الاستكبار في النفس ثم يذكرن
ا بان كل شيء في الطبيعة يسجد لله سبحانه و ان الملائكة لا يستكبرون
عن عبادة الله . بل يخافون ربهم و أن الله قد نهى عن اتخاذ شريك له و أمر
بالخوف منه و تقواه . او ليست النعم منه . و اذا فقدنا منها شيئا اولسنـا
نجأر اليه ؟ و مع ذلك يشركـــون بالله بعد ان يكشف عنهم الضـر .
و يستمر السياق في تسفيه فكرة الشرك . و الاعتقاد بأن النعم من غير الله .
و نسبة الأمثلة السيئة الى ربهم سبحانه مثلا . ان الواحد منهم يكره البنت
و لكنهم يزعمون ان لله البنات سبحانه .
كلا لله المثل الأعلى . و للمشركين مثل السوء . و ان لهم النار و ان الشيطان وليهم .
و لعل آيات الدروس الأخيرة هذه تهدينا الى ضرورة التسليم بان النعم من الله .
و عدم الانبهار بالنعم و بمن يملك النعم من البشر . او بما هي وسيلة للنعم
من مصادر الطبيعة . اقول عدم الانبهار بها لكي يهبط الأنسان الى حضيض
الشرك فينسى انالمثل الأعلى لله سبحانه .
و هكذا الآيات (64 / 74) فهي في الوقت الذي تذكرنا بان الرزق و الوحي من
الله . تبين لنا : مجموعة مـــن النعـم مثل الماء الذي ينزله الله من السماء
فيحي به الأرض . و يرزقنا شرابا لذيذا من بين فرث و دم لبنا خالصا .
و يرزقنا السكر من ثمرات النخيل و الأعناب .
و شراب ثالث يرزقنا من النحل فيه شفاء للناس .
تلك نعم الله فلماذا نشكر غيره ام نعبد سواه ؟ و يقلب الله البشر من حياة الى
موت . و ربما الى هرم و يفضل بعض الناس في الرزق . فهل نعبد سواه .
فهل يملك الرزق غيره ؟
و هو الذي جعل للناس من انفسهم ازواجا و اولادا و حفدة . و رزقهم من
الطيبات فلماذا يكفرون بنعمة الله . و يعبدون غيره وهو لا يملك رزقا .
او يقرنوه بسواه و يضربون له الأمثال سبحانه ؟
و يبدو الآيات هذه تخفف من ( سورة ) الانبهار بنعم الله . لكي يخلص المرء
لربه عبادته . و يمحضه حبه .
و هكذا الآيات (75 / 83) تذكر الناس بان الله وحده يملك ناصية الأقدار بينما
الشركاء المزعومون هم كعبد مملوك لا يقدر على شيء . فمن هو أحق
بالعبادة ؟ و ان الله يملك غيب السموات و الارض . كما يملك امر الساعة .
و هو الذي انعم على البشر بالعلم بعد أن خرجمن بطن امه لا يعلم شيئا .
و هذه الطيور في جور السماء ما يمسكهن الا الله .
هكذا الولاية لله . و انه السلطان القائم بأمر العالمين و هكذا نعم السكن
الدائم او المتنقل كالخيم و نعمة الاثاث و المتاع . و نعمة الظلال . و الاكنان
و الثياب ايامالسلم و الدروع للحرب أو ليست من تمام نعمة الله ؟
فلماذا الكفر و انكار نعمة الله ؟
و يستمر السياق و عبر الآيات (84 / 89) ينذر الكفار و الظالمين و المشركين
الذين يبعثون ولا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون . و لا ينقذهم شركاؤهم
و القوا جميعا السلم الى الله . بيد ان كبراءهم اشد عذابا . ويؤكد السياق
على شهادة الرسول هنالك . و ان الكتاب لابد ان يقرن بالشاهد على الناس .
و انهما لن يفترقا .
و يعود القرآن الكريم (90 / 97) يبين واحدا من أهم نعم الله . و هو الكتاب الذي
أوحاه الرب لعبده يتم نعمته على الناس . و يبين السبيل الى الأاتفاع بالنعم
و جملة القول في تنظيم الحياة حتى تكون طيبة : هي العدل . و الاحسان
و ايتاء حقوق ذوي القربى . و اجتـنــــاب الفحشاء و المنكر و البغي .
و هكــــذا الوفاء بعهــد الله . و الالتزام بالايمان . ( و يشدد عليها القرآن توكيدا
و ربما لأنها أهم منظم للعلاقات الاجتماعية ) .
و رعاية التساوي امام القانون . لكي لا تستضعف طائفة طائفة ثانية .
بل لما تعتقد انها ارجى منها . و اجتناب استغلال اليمين استغلال سيئا .
ثم الصبر ( و لعله لمقاومة إغراء الشهوات ) .
و يشجع السياق العمل الصالح لأنه مفتاح الحياة الطيبة .
و هكذا يبين الكتاب منهاجا كاملا للحياة الطيبة ..
و لكن كيف نستفيد من القرآن ؟ لأن الشيطان قد يغوينا عنه .
أو يجعلنا نحرف آياته فان الآيات (98 / 105) تبين لنا منهاجا لفهم القرآن .
أولا : بالاستعاذة بالله حين قراءته من الشيطان .
ثانيا : بالتسليم لكل آياته لأن روح القدس قد نزله بأمر الله فلا اختلاف
و لا نقص فيه و شبهات الكفار مرفوضة حيث قالوا بان رجلا اعجميا يعلم
الرسول هذا القرآن الذي هو قمة البلاغة .
ثالثا : اجتناب الأفتراء على الله " الكذب " .
السبيل الى الايمان التعالي عن الحياة الدنيا . و استحباب الآخرة عليها .
و هكذا تكون النعم في الدنيا نافعة لمن ملكها و أما من ملكته النعم
و استحب الحياة الدنيا على الآخرة فان الله لا يهديه لأنه يكفر بالله و برسالاته .
هكذا تبين الآيات (106 / 113) الموقف السليم من نعم الله . و يبدو ان الذين
يستحبون الحياة الدنيا . ويفضلون نعمها على نعم الله في الآخرة هم الذين يشرحون للكفر صدرا فيسلب منهم الرب ادوات الوعي . و اولئك هم الغافلون .
أما من يسمو بنفسه عن الدنيا . و يهاجر بعد ان يفتن في الله و يجاهد
و يعبد فان الله بعدها لغفور رحيم .
أن تساميه عن الدنيا ينفعه يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها .
و إن الكفر بالله يسلب النعم في الدنيا ايضا . كما ضرب الله مثلا قرية أسبغ
الله عليها نعمة الأمن و الرزق فلما كفرت أذاقها الله لباس الجوع و الخوف .
هكذا جزاء من امتلكته الدنيا و لم يسمع لنداء الرسول .
و بالتالي لم يستفد من نعمة الوحي التي تحافظ على سائر النعم .
و هذا لا يعني أبدا ترك نعم الله . كلا . بل يعني :
اولا : تنظيم العلاقة معها . بحيث لا تنسينا ذكر الله .
و ثانيا : تنظيم الأستفادة منها كما أمر الله .
و هكذا تبين الآيات (114 / 119) حدود الله في الانتفاع بنعمه .
و هذا بعد من ابعاد التقوى التي جاء الآيات الأولى في هذه السورة لتأمرنا بها .
علينا الا نحرم الطيبات على انفسنا . بل نأكل منها و نشكر الله على نعمه .
أما المحرمات فهي الميتة و الدم . و لحم الخنزير و ما أهل لغير الله به
( الا عند الاضطرار ) .
و حرام الأفتراء على الله ، و الكذب عليه بان هذا حلال و هذا حرام .
أما اليهود فقد ظلموا انفسهم فحرم عليهم اشياء بسبب ظلمهم .
أما رحمة الله على هذه الأمة فهي واسعة حيث ان الله رفع القلم عمن
عمل سوء بجهالة ثم تاب و أصلح .
و يعطي القرآن الكريم و عبر الآيات (120 / 123) أسوة للذين آمنوا من قصة
ابراهيم كيف كان شاكرا لأنعم الله . و علينا اتباع ملته .
أما قصة السبت و حرمة الصيد فيه . فهي خاصة بالذين اختلفوا فيه (124) .
و الرسول مهبط وحي الله يدعو قومه بالحكمة و الموعظة الحسنة .
و هو المثل الأعلى للعدل و الاحسان و للصبر و الاستقامة . و سعة الصدر .
و سيرة الرسول شاهدة على صدق رسالته . وان الله مع الذين اتقوا
و الذين هم محسنون (125 / 128) .
و هكذا تحدد سورة النحل العلاقة السليمة مع نعم الله . حيث يزداد المؤمن
بها ايمانا لربه . و تسليما لرسالات ربه و نبذا للشركاء و استقامة امام
المفسدين و الحمد لله رب العالمين .