منتديات سهر كول
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات سهر كول


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 البداية والنهاية الجزء1 ابن الكثير

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حماده الجازوى
الادارة العامه للمنتدى
الادارة العامه للمنتدى
حماده الجازوى


صاحب موقع
معلومات
تاريخ التسجيل : 01/09/2009
عدد المساهمات : 1516
نقاط : 34135
التقيم التقيم : 6
ذكر
الدوله : مصر
الادارة


البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير Empty
مُساهمةموضوع: رد: البداية والنهاية الجزء1 ابن الكثير   البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير Icon_minitimeالأحد 19 ديسمبر - 23:27:58

البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير 030



(1/21)

سورة الحديد ثم قال الترمذي هذا حديث غريب من هذا الوجه قال ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد أنهم قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة * ورواه أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي جعفر الرازي عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر مثل لفظ الترمذي سواء بدون زيادة في آخره ورواه ابن جرير في تفسيره عن بشر عن يزيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلا وقد يكون هذا أشبه والله أعلم.
ورواه الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي من حديث أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا يصح إسناده والله أعلم (1) * وقد تقدم عند صفة العرش من حديث الاوعال ما يخالف هذا في ارتفاع العرش عن السماء السابعة وما يشهد له.
وفيه وبعد ما بين كل سماءين خمسمائة عام، وكثفها أي سمكها خمسمائة عام * وأما ما ذهب إليه بعض المتكلمين على حديث (طوقه من سبع أرضين) أنها سبعة أقاليم.
فهو قول يخالف ظاهر الآية والحديث الصحيح وصريح كثير من ألفاظه مما يعتمد من الحديث الذي أوردناه من طريق الحسن عن أبي هريرة.
ثم إنه حمل الحديث والآية على خلاف ظاهرهما بلا مستند
ولا دليل والله أعلم.
وهكذا ما يذكره كثير من أهل الكتاب وتلقاه عنهم طائفة من علمائنا من أن هذه الارض من تراب والتي تحتها من حديد والاخرى من حجارة من كبريت والاخرى من كذا فكل هذا إذا لم يخبر به ويصح سنده إلى معصوم فهو مردود على قائله.
وهكذا الاثر المروي عن ابن عباس أنه قال: في كل أرض من الخلق مثل ما في هذه حتى آدم كآدمكم وإبراهيم كإبراهيمكم فهذا ذكره ابن جرير مختصرا واستقصاه البيهقي في الاسماء والصفات وهو محمول إن صح نقله عنه على أنه أخذه ابن عباس رضي الله عنه عن الاسرائيليات والله أعلم * وقال الامام أحمد حدثنا يزيد حدثنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الارض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت يا رب هل من خلقك شئ أشد من الجبال قال نعم الحديد.
قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الحديد قال نعم النار.
قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من النار قال نعم الريح.
قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه يخفيها من شماله تفرد به أحمد * وقد ذكر أصحاب الهيئة إعداد جبال الارض في سائر بقاعها شرقا وغربا، وذكروا طولها وبعد إمتدادها وإرتفاعها وأوسعوا القول في ذلك بما يطول شرحه هنا.
وقد قال الله تعالى (ومن
__________
= العربي: والمقصود من الخبر ان نسبة الباري من الجهات إلى فوق كنسبته إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته.
(1) قال البيهقي في الاسماء ص 506: هذه الرواية اشتهرت فيما بين الناس..والذي روي في آخر الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى وان العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله تعالى سواء ; وانه الظاهر.
[ * ]
(1/22)

الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) (1) قال ابن عباس وغير واحد الجدد الطرائق وقال عكرمة وغيره الغرابيب الجبال الطوال السود.
وهذا هو الشاهد من الجبال في سائر الارض تختلف باختلاف بقاعها وألوانها.
وقد ذكر الله تعالى في كتابه الجودي على التعيين وهو جبل عظيم
شرقي جزيرة ابن عمر إلى دجلة.
عند الموصل إمتداده من الجنوب إلى الشمال مسيرة ثلاثة أيام وإرتفاعه مسيرة نصف يوم وهو أخضر لان فيه شجرا من البلوط وإلى جانبه قرية يقال لها قرية الثمانين لسكني الذين نجوا في السفينة مع نوح عليه السلام في موضعها فيما ذكره غير واحد من المفسرين والله أعلم.
فصل في البحار والانهار قال الله تعالى (وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.
وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهدون.
وعلامات وبالنجم هم يهتدون.
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) [ النحل: 14 - 15 ] وقال تعالى (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) [ فاطر: 12 ] وقال تعالى (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) [ الفرقان: 53 ] وقال تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان) [ الرحمن: 19 - 20 ] فالمراد بالبحرين البحر الملح المر وهو الاجاج والبحر العذب هو هذه الانهار السارحة بين أقطار والامصار لمصالح العباد قاله ابن جريج وغير واحد من الائمة.
وقال تعالى: (ومن آياته الجوار في البحر كالاعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير) [ الشورى: 33 ] وقال تعالى (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختال كفور) [ لقمان: 31 ] وقال تعالى: (إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف
الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون) [ الحج: 65 ] فامتن تعالى
__________
(1) سورة فاطر الآية 27.
الجدد جمع جدة.
قال الزهري: الطرائق أو الخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض..[ * ]
(1/23)

على عباده بما خلق لهم من البحار والانهار فالبحر المحيط بسائر أرجاء الارض وما ينبت منه في جوانبها الجميع مالح الطعم مر وفي هذا حكمة عظيمة لصحة الهواء إذ لو كان حلوا لانتن الجو وفسد الهواء بسبب ما يموت فيه من الحيوانات فكان يؤدي إلى تفاني بني آدم ولكن اقتضت الحكمة البالغة أن يكون على هذه الصفة لهذه المصلحة.
ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحر قال: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " (1).
وأما الانهار فماؤها حلو عذب فرات سائغ شرابها لمن أراد ذلك.
وجعلها جارية سارحة ينبعها تعالى في أرض ويسوقها إلى أخرى رزقا للعباد.
ومنها كبار ومنها صغار بحسب الحاجة والمصلحة.
وقد تكلم أصحاب علم الهيئة والتفسير على تعداد البحار والانهار الكبار وأصول منابعها وإلى أين ينتهي سيرها بكلام فيه حكم ودلالات على قدرة الخالق تعالى، وأنه فاعل بالاختيار والحكمة - قوله تعالى (والبحر المسجور) [ الطور: 6 ] فيه قولان أحدهما أن المراد به البحر الذي تحت العرش المذكور في حديث الاوعال.
وأنه فوق السموات السبع بين أسفله وأعلاه كما بين سماء إلى سماء، وهو الذي ينزل منه المطر قبل البعث فتحيا منه الاجساد من قبورها.
وهذا القول هو اختيار الربيع بن أنس.
والثاني آن البحر اسم جنس يعم سائر البحار التي في الارض وهو قول الجمهور * واختلفوا في معنى البحر المسجور فقيل المملوء وقيل يصير يوم القيامة نارا تؤجج فيحيط بأهل الموقف كما ذكرناه في التفسير عن علي وابن عباس وسعيد بن جبير وابن مجاهد وغيرهم.
وقيل المراد به الممنوع المكفوف المحروس عن أن يطغى فيغمر الارض ومن عليها فيغرقوا.
رواه الوالبي عن ابن عباس وهو قول السدي وغيره ويؤيده الحديث الذي رواه الامام أحمد (1) حدثنا يزيد حدثنا
العوام حدثني شيخ كان مرابطا بالساحل قال " لقيت أبا صالح مولى عمر بن الخطاب فقال حدثنا عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات [ على الارض ] يستأذن الله عزوجل أن يتفصح عليهم فيكفه الله عزوجل " ورواه اسحاق بن راهوية
__________
(1) اخرجه أحمد في مسنده 2 / 227، 261، 278، 292 ; 3 / 273 ; 5 / 265.
وأبو داود في الطهارة والترمذي في الطهارة والنسائي في الطهارة والمياه والصيد.
وأخرجه ابن ماجة في الطهارة.
وفي موطأ مالك والدارمي في الوضوء والصيد.
(2) سورة الطور الآية 6.
في معنى المسجور قال مجاهد: الموقد ; وافقه الضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والاخفش: انه بمنزلة التنور المسجور - الموقد المحمى -.
وعن ابن عباس قال: المسجور الذي ذهب ماؤه.
وقيل المسجور أي المفجور.
وعند المهايمي: أورده بعد السقف المرفوع للاشارة إلى أنه إذا ارتفع العمل إلى السماء فاض منها على العبد من العلوم ما يجعله بحرا من المحبة ما يسجر بنار الشوق إلى ربه.
[ * ]
(1/24)

عن يزيد بن هرون عن العوام بن حوشب حدثني شيخ مرابط قال " خرجت ليلة المحرس لم يخرج أحد من المحرس غيري فأتيت الميناء فصعدت فجعل يخيل إلي أن البحر يشرف يحاذي برؤوس الجبال فعل ذلك مرارا وأنا مستيقظ فلقيت أبا صالح فقال حدثنا عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من ليلة إلا والبحر يشرف ثلاث مرات يستأذن الله أن يتفصح عليهم فيكفه الله عزوجل في إسناده رجل مبهم والله أعلم.
وهذا من نعمه تعالى على عباده أن كف شر البحر عن أن يطغى عليهم وسخره لهم يحمل مراكبهم ليبلغوا عليها إلى الاقاليم النائية بالتجارات وغيرها وهداهم فيه بما خلقه في السماء والارض من النجوم والجبال التي جعلها لهم علامات يهتدون بها في سيرهم وبما خلق لهم فيه من الآلئ والجواهر النفيسة العزيزة الحسنة الثمينة التي لا توجد إلا فيه وبما خلق فيه من الدواب الغريبة
وأحلها لهم حتى ميتتها كما قال تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وفي الحديث الآخر " أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال " رواه أحمد وابن ماجة وفي إسناده نظر * وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده " وجدت في كتاب عن محمد بن معاوية البغدادي حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه قال " كلم الله هذا البحر الغربي وكلم البحر الشرقي فقال للغربي إني حامل فيك عبادا من عبادي فكيف أنت صانع بهم قال أغرقهم.
قال بأسك في نواحيك وحرمه الحلية والصيد، وكلم هذا البحر الشرقي فقال إني حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم قال أحملهم على يدي، وأكون لهم كالوالدة لولدها فأثابه الحلية والصيد * ثم قال لا تعلم أحدا.
ما رواه عن سهيل إلا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر وهو منكر الحديث.
قال وقد رواه سهيل عن عبد الرحمن بن أبي عياش عن عبد الله بن عمرو موقوفا.
قلت الموقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص أشبه فإنه قد كان وجد يوم اليرموك ذاملتين مملوءتين كتبا من علوم أهل الكتاب فكان يحدث منهما بأشياء كثيرة من الاسرائيليات منها المعروف والمشهور والمنكور والمردود.
فأما المعروف فترد به عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو القاسم المدني قاضيها.
قال فيه الامام أحمد ليس بشئ وقد سمعته منه * ثم مزقت حديثه كان كذابا وأحاديثه مناكير * وكذا ضعفه بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والجوزجاني والبخاري وأبو داود والنسائي وقال ابن عدي عامة أحاديثه مناكير وأفظعها حديث البحر * قال علماء التفسير المتكلمون على العروض والاطوال والبحار والانهار والجبال والمساحات وما في الارض من المدن والخراب والعمارات والاقاليم السبعة الحقيقة في إصطلاحهم والاقاليم المتعددة العرفية وما في البلدان والاقاليم من الخواص والنباتات وما يوجد في كل قطر من صنوف
(1/25)

المعادن والتجارات قالوا الارض مغمورة بالماء العظيم إلا مقدار الربع منها وهو تسعون درجة
والعناية الالهية اقتضت إنحسار الماء عن هذا القدر منها لتعيش الحيوانات عليها وتنبت الزرع والثمار منها كما قال تعالى (والارض وضعها للانام فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان) [ الرحمن: 10 - 13 ] قالوا المعمور من هذا البادي منها قريب الثلثين منه أو أكثر قليلا.
هو خمس وتسعون درجة.
قالوا فالبحر المحيط الغربي ويقال له أوقيانوس وهو الذي يتاخم بلاد المغرب وفيه الجزائر الخالدات وبينها وبين ساحله عشر درج مسافة شهر تقريبا وهو بحر لا يمكن سلوكه ولا ركوبه لكثرة موجه وإختلاف ما فيه من الرياح والامواج وليس فيه صيد ولا يستخرج منه شئ ولا يسافر فيه لمتجر ولا لغيره وهو آخذ في ناحية الجنوب حتى يسامت الجبال القمر ويقال جبال القمر التي منها أصل منبع نيل مصر ويتجاوز خط الاستواء * ثم يمتد شرقا ويصير جنوبي الارض.
وفيه هناك جزائر الزابج وعلى سواحله خراب كثير * ثم يمتد شرقا وشمالا حتى يتصل ببحر الصين والهند * ثم يمتد شرقا حتى يسامت (1) نهاية الارض الشرقية المكشوفة.
وهناك بلاد الصين.
ثم ينعطف في شرق الصين إلى جهة الشمال حتى يجاوز بلاد الصين ويسامت سد يأجوج ومأجوج.
ثم ينعطف ويستدير على أراضي غير معلومة الاحوال * ثم يمتد مغربا في شمال الارض ويسامت بلاد الروس ويتجاوزها ويعطف مغربا وجنوبا ويستدير على الارض ويعود إلى جهة الغرب وينبثق من الغربي إلى متن الارض الزقاق الذي ينتهي أقصاه إلى أطراف الشام من الغرب * ثم يأخذ في بلاد الروم حتى يتصل بالقسطنطينية وغيرها من بلادهم.
وينبعث من المحيط الشرقي بحار أخر فيها جزائر كثيرة، حتى إنه يقال: إن في بحر الهند ألف جزيرة وسبعمائة جزيرة فيها مدن وعمارات سوى الجزائر العاطلة ويقال لها البحر الاخضر فشرقيه بحر الصين وغربيه بحر اليمن وشماله بحر الهند وجنوبيه غير معلوم * وذكروا أن بين بحر الهند وبحر اليمن جبالا فاصلة بينهما وفيها فجاج يسلك المراكب بينها يسيرها لهم الذي خلقها كما جعل مثلها في البر أيضا قال الله تعالى (وجعلنا في الارض رواسي أن تميد بكم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلكم تهتدون) * وقد ذكر بطليموس أحد ملوك الهند في كتابه
المسمى بالمجسطي الذي عرب في زمان المأمون، وهو أصل هذه العلوم أن البحار المتفجرة من المحيط الغربي والشرقي والجنوبي والشمالي كثيرة جدا.
فمنها ما هو واحد، ولكن يسمى بحسب البلاد المتاخمة له.
فمن ذلك بحر القلزم.
والقلزم قرية على ساحله قريب من أيلة.
وبحر فارس وبحر الخزر وبحر ورنك وبحر الروم وبحر بنطش وبحر الازرق، مدينة على ساحله وهو بحر القرم أيضا ويتضايق حتى يصب في بحر الروم عند جنوبي القسطنطينية وهو خليج القسطنطينية،
__________
(1) يسامت: يسير.
[ * ]
(1/26)

ولهذا تسرع المراكب في سيرها من القرم إلى بحر الروم وتبطئ إذا جاءت من الاسكندرية إلى القرم لاستقبالها جريان الماء.
وهذا من العجائب في الدنيا فإن كل ماء جار فهو حلو إلا هذا وكل بحر راكد فهو ملح أجاج إلا ما يذكر عن بحر الخزر وهو بحر جرجان وبحر طبرستان أن فيه قطعة كبيرة ماء حلوا فراتا على ما أخبر به المسافرون عنه.
قال أهل الهيئة وهو بحر مستدير الشكل إلى الطول ما هو * وقيل إنه مثلث كالقلع وليس هو متصلا بشئ من البحر المحيط بل منفرد وحده، وطوله ثمانمائة ميل وعرضه ستمائة وقيل أكثر من ذلك والله أعلم.
ومن ذلك البحر الذي يخرج منه المد والجزر عند البصرة وفي بلاد المغرب نظيره أيضا يتزايد الماء من أول الشهر ولا يزال في زيادة إلى تمام الليلة الرابعة عشر منه وهو المد * ثم يشرع في النقص وهو الجزر إلى آخر الشهر * وقد ذكروا تحديد هذه البحار ومبتداها ومنتهاها وذكروا ما في الارض من البحيرات المجتمعة من الانهار وغيرها من السيول وهي البطائح * وذكروا ما في الارض من الانهار المشهورة الكبار، وذكروا ابتداءها وإنتهاءها ولسنا بصدد بسط ذلك والتطويل فيه وإنما نتكلم على ما يتعلق بالانهار الوارد ذكرها في الحديث.
وقد قال الله تعالى: (الله الذي خلق السموات والارض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر
دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار) ففي الصحيحين من طريق قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر سدرة المنتهى قال فإذا يخرج من أصلها نهران باطنان ونهران ظاهران.
فأما الباطنان ففي الجنة وأما الظهران فالنيل والفرات * وفي لفط في البخاري وعنصرهما أي مادتهما أو شكلهما وعلى صفتهما ونعتهما وليس في الدنيا مما في الجنة الاسماوية وفي صحيح مسلم من حديث عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة ".
وقال الامام أحمد حدثنا ابن نمير ويزيد أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فجرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان " وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وكأن المراد والله أعلم من هذا أن هذه الانهار تشبه أنهار الجنة في صفائها وعذوبتها وجريانها ومن جنس تلك في هذه الصفات ونحوها كما قال في الحديث الآخر الذي رواه الترمذي وصححه من طريق سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم " أي تشبه ثمر الجنة لا أنها مجتناة من الجنة، فان الحس يشهد بخلاف ذلك فتعين أن المراد غيره وكذا قوله صلى الله عليه وسلم " الحمى من فيح جهنم
(1/27)

فابردوها بالماء " وكذا قوله " إذا اشتد الحمى فأبردوها بالماء فإن شدة الحر من فيح جهنم " * وهكذا هذه الانهار أصل منبعها مشاهد من الارض * أما النيل.
وهو النهر الذي ليس في أنهار الدنيا له نظير في خفته ولطافته وبعد مسراه فيما بين مبتداه إلى منتهاه فمبتداه من الجبال القمر أي البيض ومنهم من يقول جبال القمر بالاضافة إلى الكوكب وهي في غربي الارض وراء خط الاستواء إلى الجانب الجنوبي.
ويقال إنها حمر ينبع من بينها عيون * ثم يجتمع من عشر مسيلات متباعدة.
ثم يجتمع كل خمسة منها في بحر.
ثم يخرج منها أنهار ستة.
ثم يجتمع كلها في بحيرة أخرى.
ثم يخرج منها نهر واحد هو النيل فيمر على بلاد
السودان الحبشة ثم على النوبة ومدينتها العظمى دمقلة ثم على أسوان ثم يفد على ديار مصر (1).
وقد تحمل إليها من بلاد الحبشة زيادات أمطارها واجترف من ترابها وهى محتاجة إليهما معا لان مطرها قليل لا يكفي زروعها وأشجارها.
وتربتها رمال لا تنبت شيئا حتى يجئ النيل بزيادته وطينه فينبت فيه ما يحتاجون إليه وهي من أحق الاراضي بدخولها في قوله تعالى (أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز فنخرج به رزعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) ثم يجاوز النيل مصر قليلا فيفترق شطرين عند قرية على شاطئه يقال لها شطنوف فيمر الغربي على رشيد ويصب في البحر المالح * وأما الشرق فتفترق أيضا عند جوجر فرقتين تمر الغربية منهما على دمياط من غربيها ويصب في البحر والشرقية منهما تمر على أشمون طناح فيصب هناك في بحيرة شرقي دمياط.
يقال لها بحيرة تنيس وبحيرة دمياط * وهذا بعد عظيم فيما بين مبتداه إلى منتهاه.
ولهذا كان ألطف المياه * قال ابن سينا له خصوصيات دون مياه سائر الارض * فمنها انه أبعدها مسافة من مجراه إلى أقصاه.
ومنها أنه يجري على صخور ورمال (1) ليس فيه خز ولا طحلب ولا أوحال ومنها أنه لا يخضر فيه حجر ولا حصاة وما ذاك إلا لصحة مزاجه وحلاوته ولطافته.
ومنها إن زيادته في أيام نقصان سائر الانهار.
ونقصانه في أيام زيادتها وكثرتها وأما ما يذكره بعضهم من أن أصل منبع النيل من مكان مرتفع أطلع عليه بعض الناس فرأى هناك هولا عظيما وجواري حسانا وأشياء غريبة وأن الذي أطلع على ذلك لا يمكنه الكلام بعد هذا فهو من خرافات المؤرخين وهذيانات الافاكين * وقد قال عبد الله بن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال " لما فتح عمرو بن عاص مصر أتى أهلها إليه حين دخل شهر بؤنة من أشهر العجم (القبطية) فقالوا: (أيها الامير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال لهم وما ذاك قالوا إذا كان لثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الجلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو إن هذا لا يكون في الاسلام وأن الاسلام يهدم ما قبله فأقاموا بؤنة والنيل لا يجرى لا قليلا ولا كثيرا * وفي رواية فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى وهو لا يجري حتى هموا بالجلاء.
فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي
فعلت وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل فلما قدم كتابه أخذ عمرو
(1/28)

البطاقة ففتحها فإذا فيها " من عند الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر (أما بعد) فان كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك فألقى عمرو البطاقة في النيل فأصبح يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم * وأما الفرات فأصلها من شمالي أررن الروم فتمر إلى قرب ملطيه ثم تمر على شميشاط.
ثم على البيرة قبليها ثم تشرق إلى بالس وقلعة جعبر ثم الرقة ثم إلى الرحبة شماليها ثم إلى عانة، ثم إلى هيت ثم إلى الكوفة ثم تخرج إلى فضاء العراق ويصب في بطائح كبار أي بحيرات وترد إليها ويخرج منها أنهار كبار معروفة.
وأما سيحان ويقال له سيحون أيضا فأوله من بلاد الروم ويجري من الشمال والغرب إلى الجنوب والشرق وهو غربي مجرى جيحان ودونه في القدر وهو ببلاد الارض التي تعرف اليوم ببلاد سيس وقد كانت في أول الدولة الاسلامية في أيدي المسلمين * فلما تغلب الفاطميون على الديار المصرية وملكوا الشام وأعمالها عجزوا عن صونها عن الاعداء فتغلب تقفور الارمني على هذه البلاد أعني بلاد سيس في حدود الثلاثمائة وإلى يومنا هذا.
والله المسؤل عودها إلينا بحوله وقوته.
ثم يجتمع سيحان وجيحان عند اذنه فيصيران نهرا واحدا.
ثم يصبان في بحر الروم بين أياس وطرسوس * وأما جيحان ويقال له جيحون أيضا وتسميه العامة جاهان.
وأصله في بلاد الروم ويسير في بلاد سيس من الشمال إلى الجنوب وهو يقارب الفرات في القدر * ثم يجتمع هو وسيحان عند اذنة فيصيران نهرا واحدا.
ثم يصبان في البحر عن إياس وطرسوس والله أعلم *
فصل قال الله تعالى (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر
الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى يدبر الامر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون * وهو الذي مد الارض فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون * وفي الارض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل إن في ذلك لايات لقوم يعقلون) وقال تعالى (أمن خلق السموات والارض وأنزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الارض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) وقال تعالى (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه
(1/29)

تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) [ النحل 10 ] فذكر تعالى ما خلق في الارض من الجبال والاشجار والثمار والسهول والاوعار وما خلق من صنوف المخلوقات من الجمادات والحيوانات في البراري والقفار والبر والبحار ما يدل على عظمته وقدرته وحكمته ورحمته بخلقه وما سهل لكل دابة من الرزق الذي هي محتاجة إليه في ليلها ونهارها وصيفها وشتائها وصباحها ومائلها كما قال تعالى (وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) [ هود: 6 ] وقد روى الحافظ أبو يعلى عن محمد بن المثنى عن عبيد بن واقد عن محمد بن عيسى بن كيسان عن محمد بن المنكدر عن جابر عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خلق الله ألف أمة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر.
وأول شئ يهلك من هذه الامم الجراد فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه.
(عبيد بن واقد) أبو عباد البصري ضعفه أبو حاتم وقال بن عدي عامة ما يرويه لا يتابع
عليه وشيخه أضعف منه.
قال الفلاس والبخاري منكر الحديث، وقال أبو زرعة لا ينبغي أن يحدث عنه.
وضعفه ابن حبان والدارقطني وأنكر عليه ابن عدي هذا الحديث بعينه وغيره والله أعلم * وقال تعالى (وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون) [ الانعام: 38 ].
ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن من الآيات
قد قدمنا أن خلق الارض قبل خلق السماء كما قال تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم) [ البقرة: 29 ] وقال تعالى (قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) [ فصلت: 9 ] وقال تعالى (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والارض بعد ذلك دحاها) (1) فان الدحي غير الخلق، وهو بعد
__________
(1) سورة النازعات الآيات 27 - [ * ]
(1/30)

خلق السماء وقال تعالى (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور * الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور.
ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير * ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير) [ الملك: 5 ] وقال تعالى (وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا) [ النبأ: 12 ] وقال تعالى (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا
وجعل الشمس سراجا) [ نوح: 15 ] وقال تعالى (الله الذي خلق سبع سموات والارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما) [ الطلاق: 12 ] وقال تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا.
وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) [ الفرقان: 61 ] وقال تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملا الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب.
إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) [ الصافات: 6 ] وقال تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم.
إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) [ الحجر: 16 ] وقال تعالى (والسماء بنيناها بايد وإنا لموسعون) [ الانبياء: 32 ] وقال تعالى (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) [ يس: 37 ] وقال تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون.
والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم.
والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) [ الانعام: 96 ] وقال تعالى (فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم.
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون) [ الاعراف: 54 ] وقال تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) [ الذاريات: 7 ] والآيات في هذا كثيرة جدا وقد تكلمنا على كل منها في التفسير * والمقصود أنه تعالى يخبر عن خلق السموات وعظمة إتساعها وإرتفاعها وأنها في غاية الحسن والبهاء والكمال والسناء كما قال تعالى (والسماء ذات الحبك) أي الخلق الحسن وقال تعالى
__________
= دحاها أي بسطها، وهذا يشير إلى كون الارض بعد السماء ; والعرب تقول: دحوت الشئ أدحوه دحوا:
بسطته.
وقيل: دحاها سواها وقيل دحاها: حرثها وشقها ومهدها الاقوات.
[ * ]
(1/31)

(فارجع البصر هلى ترى من فطور.
ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) [ الملك: 3 ] (1) أي خاسئا عن أن يرى فيها نقصا أو خللا وهو حسير أي كليل ضعيف ولو نظر حتى يعى ويكل ويضعف لما اطلع على نقص فيها ولا عيب لانه تعالى قد أحكم خلقها وزين بالكواكب أفقها كما قال (والسماء ذات البروج) [ البروج: 1 ] (2) أي النجوم * وقيل محال الحرس التي يرمي منها بالشهب لمسترق السمع ولا منافاة بين القولين وقال تعالى (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم) [ الحجر: 16 ] فذكر أنه زين منظرها بالكواكب الثوابت والسيارات (الشمس والقمر والنجوم الزاهرات) وأنه صان حوزتها عن حلول الشياطين بها وهذا زينة معنى * فقال وحفظناها من كل شيطان رجيم كما قال (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملا الاعلى) [ الصافات: 6 ].
قال البخاري في كتاب بدء الخلق وقال قتادة (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) [ فصلت: 12 ] خلق هذه النجوم الثلاث جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به.
وهذا الذي قاله قتادة مصرح به في قوله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) وقال تعالى (وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) [ الانعام: 97 ] فمن تكلف غير هذه الثلاث أي من علم أحكام ما تدل عليه حركاتها ومقارناتها في سيرها وأن ذلك يدل على حوادث أرضية فقد أخطأ.
وذلك أن أكثر كلامهم في هذا الباب ليس فيه إلا حدس وظنون كاذبة ودعاوى باطلة.
وذكر تعالى أنه خلق سبع سموات طباقا أي واحدة فوق واحدة * واختلف أصحاب الهيئة هل هن متراكمات أو متفاصلات بينهن خلاء على قولين.
والصحيح الثاني لما قدمنا من حديث عبد الله بن عميرة عن الاحنف عن العباس في حديث الاوعال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
أتدرون كم بين السماء والارض قلنا الله ورسوله أعلم، قال بينهما مسيرة خمسمائة عام.
ومن كل سماء إلى سماء خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة * الحديث بتمامه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه * وفي الصحيحين من حديث أنس في حديث الاسراء قال فيه (ووجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبرئيل هذا أبوك آدم فسلم عليه فرد عليه السلام.
وقال
__________
(1) سورة الملك الآية 3.
قال القرطبي 17 / 31 في الحبك سبعة أقوال: الخلق الحسن المستوي - ذات الزينة - ذات النجوم - ذات الطرائق - ذات الشدة - ذات الصفافة - المجرة التي في السماء.
(2) سورة البروج الآية 1.
قال القرطبي: ج 19 / 283 قسم أقسم به الله وجل وعز وفي البروج أربعة أقوال: النجوم - القصور - البروج فيها الحرس - البروج هي ذات الخلق الحسن - المنازل.
[ * ]
(1/32)

مرحبا وأهلا بابني نعم الابن أنت - إلى أن قال - ثم عرج إلى السماء الثانية * وكذا ذكر في الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة) فدل على التفاصل بينها لقوله ثم عرج بنا حتى أتينا السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا (الحديث) * وهذا يدل على ما قلناه والله أعلم.
وقد حكى ابن حزم وابن المنير وأبو الفرج ابن الجوزى وغير واحد من العلماء الاجماع على أن السموات كرة مستديرة * واستدل على ذلك بقوله كل في فلك يسبحون.
قال الحسن يدورون، وقال ابن عباس في فلكة مثل فلكة المغزل.
قالوا ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق كما قال أمية ابن أبي الصلت.
والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء مطلع لونها متورد * تأبى فلا تبدو لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فأما الحديث الذي رواه البخاري حيث قال حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي ذر حين غربت الشمس تدرى أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها
تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها.
يقال لها إرجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) [ يس: 38 ].
هذا لفظه في بدء الخلق ورواه في التفسير * وفي التوحيد من حديث الاعمش أيضا ورواه مسلم في الايمان من طريق الاعمش ومن طريق يونس بن عبيد وأبو داود من طريق الحكم بن عتبة كلهم عن إبراهيم بن يزيد بن شريك عن أبيه عن أبي ذر به نحوه.
وقال الترمذي حسن صحيح * إذا علم هذا فإنه حديث لا يعارض ما ذكرناه من إستدارة الافلاك التي هي السموات على أشهر القولين ولا يدل على كرية العرش كما زعمه زاعمون.
قد أبطلنا قولهم فيما سلف ولا يدل على أنها تصعد إلى فوق السموات من جهتنا حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن أعيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه وهو الرابع فيما قاله غير واحد من علماء التفسير.
وليس في الشرع ما ينفيه بل في الحس وهو الكسوفات ما يدل عليه ويقتضيه فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه وهو وقت نصف الليل مثلا في إعتدال الزمان بحيث يكون بين القطبين الجنوبي والشمالي فإنها تكون أبعد ما يكون من العرش لانه مقبب من جهة وجه العالم وهذا محل سجودها كما يناسبها كما أنها أقرب ما تكون من العرش وقت الزوال من جهتنا فإذا كانت في محل سجودها استأذنت الرب جل جلاله في طلوعها من الشرق فيؤذن لها فتبدو من جهة الشرق وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم ولهذا قال أمية.
تأبى فلا تبدو لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فإذا كان الوقت الذي يريد الله طلوعها من جهة مغربها تسجد على عادتها وتستأذن في
(1/33)

الطلوع من عادتها فلا يؤذن لها فجاء أنها تسجد أيضا ثم تستأذن فلا يؤذن لها ثم يسجد فلا يؤذن لها وتطول تلك الليلة كما ذكرنا في التفسير، فتقول يا رب إن الفجر قد اقترب وأن المدى بعيد فيقال لها إرجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فإذا رآها الناس آمنوا جميعا.
وذلك حين لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، وفسروا بذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها) قيل لوقتها الذي تؤمر فيه تطلع من مغربها * وقيل مستقرها موضعها الذي تسجد فيه تحت العرش.
وقيل منتهى سيرها وهو آخر الدنيا.
وعن ابن عباس أنه قرأ والشمس تجري لا مستقر لها أي ليست تستقر فعلى هذا تسجد وهي سائرة.
ولهذا قال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) أي لا تدرك الشمس القمر فتطلع في سلطانه ودولته ولا هو أيضا ولا الليل سابق النهار أي ليس سابقه بمسافة يتأخر ذاك عنه فيها بل إذا ذهب النهار جاء الليل في أثره متعقبا له كما قال في الآية الاخرى (يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) وقال تعالى (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) [ الفرقان: 62 ] أي يخلف هذا لهذا وهذا لهذا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " فالزمان المحقق ينقسم إلى ليل ونهار وليس بينهما غيرهما * ولهذا قال تعالى (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى) [ لقمان: 29 ] فيولج من هذا في هذا، أي يأخذ من طول هذا في قصر هذا فيعتدلان كما في أول فصل الربيع يكون الليل قبل ذلك طويلا والنهار قصيرا فلا يزال الليل ينقص والنهار يتزايد حتى يعتدلا وهو أول الربيع * ثم يشرع النهار يطول ويتزايد والليل يتناقص حتى يعتدلا أيضا في أول فصل الخريف * ثم يشرع الليل يطول ويقصر النهار إلى آخر فصل الخريف * ثم يترجح النهار قليلا قليلا ويتناقص الليل شيئا فشيئا حتى يعتدلا في أول فصل الربيع كما قدمنا، وهكذا في كل عام.
ولهذا قال تعالى (وله اختلاف الليل والنهار) [ المؤمنون: 80 ] أي هو المتصرف في ذلك كله الحاكم الذي لا يخالف ولا يمانع ولهذا يقول في ثلاث آيات (1) عند ذكر السموات والنجوم والليل والنهار (ذلك تقدير العزيز العليم) أي العزيز الذي قد قهر كل شئ ودان له كل شئ فلا يمانع ولا يغالب العليم بكل شئ فقدر كل شئ تقديرا
على نظام لا يختلف ولا يضطرب.
وقد ثبت في الصحيحين (2) من حديث سفيان بن عيينة عن
__________
(1) يقول تعالى: (والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم) الانعام 96.
(والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) يس 38.
(وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم فصلت 12.
(2) رواه مسلم في 40 كتاب الالفاظ من الادب - 1 - باب النهي عن سب الدهر ح 2246 / ص 1762 والبخاري ح [ * ]
(1/34)

الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الامر أقلب الليل والنهار " وفي رواية فأنا الدهر أقلب ليله ونهاره * قال العلماء كالشافعي وأبي عبيد القاسم بن سلام وغيرهما يسب الدهر أي يقول فعل بنا الدهر كذا يا خيبة الدهر، أيتم الاولاد، أرمل النساء.
قال الله تعالى (وأنا الدهر) أي أنا الدهر الذي يعنيه فإنه فاعل ذلك الذي أسنده إلى الدهر والدهر مخلوق، وإنما فعل هذا هو الله فهو يسب فاعل ذلك ويعتقده الدهر.
والله هو الفاعل لذلك الخالق لكل شئ المتصرف في كل شئ كما قال وأنا الدهر بيدي الامر أقلب ليله ونهاره وكما قال تعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير * تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) [ آل عمران: 27 ] وقال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.
ما خلق الله ذلك إلا بالحق.
يفصل الآيات لقوم يعلمون إن في إختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والارض لآيات لقوم يتقون) [ يونس: 5.
6 ] أي فاوت بين الشمس والقمر في نورهما وفي شكلهما وفي وقتهما وفي سيرهما فجعل هذا ضياء وهو شعاع الشمس برهان ساطع وضوء باهر والقمر نورا أي أضعف من برهان الشمس وجعله مستفادا من ضوئها وقدره منازل أي يطلع أول ليلة من الشهر صغيرا ضئيلا قليل النور لقربه من الشمس وقلة مقابلته لها فبقدر مقابلته لها يكون نوره ولهذا في الليلة الثانية يكون
أبعد منها بضعف ما كان في الليلة الاولى فيكون نوره بضعف النور أول ليلة * ثم كلما بعد إزداد نوره حتى يتكامل إبداره ليلة مقابلته إياها من المشرق وذلك ليلة أربع عشرة من الشهر * ثم يشرع في النقص لاقترابه إليها من الجهة الاخرى إلى آخر الشهر فيستتر حتى يعود كما بدأ في أول الشهر الثاني.
فبه تعرف الشهور وبالشمس تعرف الليالي والايام وبذلك تعرف السنين والاعوام ولهذا قال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) وقال تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا) [ الاسراء: 12 ] وقال تعالى (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) [ البقرة: 189 ].
وقد بسطنا القول على هذا كله في التفسير.
فالكواكب التي في السماء منها سيارات وهي المتخيرة في إصطلاح علماء التفسير وهو علم غالبه صحيح بخلاف علم الاحكام فإن غالبه باطل
__________
= رقم 2042.
وعند مسلم بيدي الليل والنهار بدل بيدي الامر.
أنا الدهر: قال العلماء هو مجاز وسببه أن العرب كان من شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها.
وأما الدهر بمعنى الزمان فلا فعل له بل مخلوق من جملة خلق الله.
[ * ]
(1/35)

ودعوى ما لا دليل عليه وهي سبعة.
القمر في سماء الدنيا وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة.
وبقية الكواكب يسمونها الثوابت وهي عندهم في الفلك الثامن وهو الكرسي في إصطلاح كثير من المتأخرين.
وقال آخرون بل الكواكب كلها في السماء الدنيا ولا مانع من كون بعضها فوق بعض * وقد يستدل على هذا بقوله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) (1) وبقوله [ تعالى ]: (فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) [ فصلت: 12 ] فخص سماء الدنيا من بينهن بزينة الكواكب فإن دل هذا على كونها مرصعة فيها فذاك وإلا فلا مانع مما قاله الآخرون والله أعلم.
وعندهم أن الافلاك السبعة بل الثمانية تدور بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات تدور على خلاف فلكه من المغرب إلى المشرق.
فالقمر يقطع فلكه في شهر والشمس تقطع فلكها وهو الرابع في سنة.
فإذا كان السيران ليس بينهما تفاوت وحركاتهما متقاربة كان قدر السماء الرابعة بقدر السماء الدنيا ثنتي عشرة مرة وزحل يقطع فلكه وهو السابع في ثلاثين سنة فعلى هذا يكون بقدر السماء الدنيا ثلثمائة وستين مرة * وقد تكلموا على مقادير أجرام هذه الكواكب وسيرها وحركاتها وتوسعوا في هذه الاشياء حتى تعدوا إلى علم الاحكام وما يترتب على ذلك من الحوادث الارضية ومما لا علم لكثير منهم به.
وقد كان اليونانيون الذين كانوا يسكنون الشام قبل زمن المسيح عليه السلام بدهور لهم في هذا كلام كثير يطول بسطه، وهم الذين بنوا مدينة دمشق وجعلوا لها أبوابا سبعة وجعلوا على رأس كل باب هيكلا على صفة الكواكب السبعة، يعبدون كل واحد في هيكله، ويدعونه بدعاء يأثره عنهم غير واحد من أهل التواريخ وغيرهم.
وذكره صاحب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم وغيره من علماء الحرنانيين (2) (فلاسفة حران في قديم الزمان).
وقد كانوا مشركين يعبدون الكواكب السبعة وهم طائفة من الصابئين * ولهذا قال الله تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) [ فصلت: 37 ] وقال تعالى إخبارا عن الهدهد أنه قال لسليمان عليه السلام مخبرا عن بلقيس وجنودها ملكة سبأ في اليمن وما والاها (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون.
أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والارض ويعلم ما يخفون وما يعلنون.
الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [ النمل: 23 ] وقال تعالى
__________
(1) سورة الملك الآية 5.
(2) الحرنانيين: علماء حران، حران بتشديد الراء وآخره نون اسم بلد وهو فعال، ويجوز أن يكون فعلان والنسبة إليه حرناني، وحراني على ما عليه العامة وهو القياس (معجم البلدان - لسان العرب مادة حرن).
[ * ]
(1/36)

(ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) [ الحج: 18 ] وقال تعالى (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) [ النحل: 48 ] وقال تعالى (والله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) [ الرعد: 15 ] وقال تعالى (تسبح له السموات السبع والارض ومن فيهن وإن من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) [ الاسراء: 44 ] والآيات في هذا كثيرة جدا.
ولما كان أشرف الاجرام المشاهدة في السموات والارض هي الكواكب وأشرفهن منظرا وأشرفهن معتبرا الشمس والقمر استدل الخليل على بطلان آلهية شئ منهن.
وذلك في قوله تعالى (فلما جن الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين) [ الانعام: 76 ] أي الغائببين (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين.
فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون.
إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين) [ الانعام: 77 ] فبين بطريق البرهان القطعي أن هذه الاجرام المشاهدات من الكواكب والقمر والشمس لا يصلح شئ منها للالهية لانها كلها مخلوقة مربوبة مدبرة مسخرة في سيرها لا تحيد عما خلقت له ولا تزيغ عنه إلا بتقدير متقن محرر لا تضطرب ولا تختلف * وذلك دليل على كونها


عدل سابقا من قبل حماده الجازوى في الأحد 19 ديسمبر - 23:34:56 عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سهر جرح السنين
الادارة العامه للمنتدى
الادارة العامه للمنتدى
سهر جرح السنين


صاحب موقع
معلومات
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
عدد المساهمات : 7714
نقاط : 40561
التقيم التقيم : 23
انثى
الدوله : مصر
الاوسمة البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير VXn41526
فراشه


البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير Empty
مُساهمةموضوع: رد: البداية والنهاية الجزء1 ابن الكثير   البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير Icon_minitimeالأحد 19 ديسمبر - 23:30:56

تسلم ايدك حماده

جزاك الله خير الجزاء

وجعلة ربى فى ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حماده الجازوى
الادارة العامه للمنتدى
الادارة العامه للمنتدى
حماده الجازوى


صاحب موقع
معلومات
تاريخ التسجيل : 01/09/2009
عدد المساهمات : 1516
نقاط : 34135
التقيم التقيم : 6
ذكر
الدوله : مصر
الادارة


البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير Empty
مُساهمةموضوع: رد: البداية والنهاية الجزء1 ابن الكثير   البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير Icon_minitimeالأحد 19 ديسمبر - 23:40:07

البداية والنهاية الجزء1  ابن الكثير 030
(1/41)

[ غافر: 7 ] وقال (ومن عنده لا يستكبرون.
عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [ الانبياء: 19 ] وقال تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم.
وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) [ الصافات: 165 ] وقال تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا) [ مريم: 64 ] وقال تعالى (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) [ الانفطار: 12 ] وقال تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو) [ المدثر: 31 ] وقال تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) [ الرعد: 23 ] وقال تعالى (الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير) [ فاطر: 1 ] وقال تعالى (يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا * الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا) [ الفرقان: 25 ] وقال تعالى (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا) [ الفرقان: 21 ] وقال تعالى (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين) [ البقرة: 98 ] وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [ التحريم: 6 ] والآيات في ذكر الملائكة كثيرة جدا يصفهم تعالى بالقوة في العبادة وفي الخلق وحسن المنظر وعظمة الاشكال وقوة الشكل في الصور المتعددة كما قال تعالى: (ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب * وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات) [ هود: 76 ] الآيات فذكرنا في التفسير ما ذكره غير واحد من العلماء من أن الملائكة تبدوا لهم في صورة شباب حسان إمتحانا واختبارا حتى قامت على قوم لوط الحجة وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر * وكذلك كان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي (1) وتارة في صورة أعرابي وتارة في صورته التي خلق عليها.
له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين
المشرق والمغرب كما رآه على هذه الصفة مرتين.
مرة منهبطا من السماء إلى الارض.
وتارة عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى.
وهو قوله تعالى (علمه شديد القوى.
ذو مرة فاستوى.
وهو بالافق الاعلى.
ثم دنا فتدلى) (2) أي جبريل (3) كما ذكرناه عن غير واحد من الصحابة * منهم ابن مسعود وأبو هريرة وأبو ذر وعائشة (فكان قاب قوسين أو أدنى.
فأوحى إلى عبده ما
__________
(1) دحية بن خليفة الكلبي: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا وما بعدها وكان جبريل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته أحيانا وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر رسولا سنة ست في الهدنة.
(3) سورة النجم الآيات 5 - 8.
(3) أما الحسن فيقول هو الله عزوجل.
القرطبي 17 / 85 قال: هو جبريل في قول سائر المفسرين.
[ * ]
(1/42)

أوحى) (1) أي إلى عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال [ تعالى ]: (ولقد رآه نزلة أخرى.
عند سدرة المنتهى.
عندها جنة المأوى.
إذ يغشى السدرة ما يغشى.
ما زاغ البصر وما طغى) (2) وقد ذكرنا في أحاديث الاسراء في سورة سبحان أن سدرة المنتهى في السماء السابعة * وفي رواية في السادسة أي أصلها وفروعها في السابعة فلما غشيها من أمر الله ما غشيها * قيل غشيها نور الرب جل جلاله * وقيل غشيها فراش (3) من ذهب * وقيل غشيها ألوان متعددة كثيرة غير منحصرة * وقيل غشيها الملائكة مثل الغربان * وقيل غشيها من نور الله تعالى فلا يستطيع أحد أن ينعتها * أي من حسنها وبهائها.
ولا منافاة بين هذه الاقوال إذ الجميع ممكن حصوله في حال واحدة * وذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كالقلال * " وفي رواية " كقلال هجر وإذا ورقها كآذان الفيلة " وإذا يخرج من أصلها نهران باطنان ونهران ظاهران.
فأما الباطنان ففي الجنة.
وأما الظاهران فالنيل والفرات * وتقدم الكلام على هذا في ذكر خلق الارض وما فيها من البحار والانهار * وفيه " ثم رفع لي البيت المعمور وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم " * وذكر أنه وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مستندا ظهره إلى البيت المعمور.
وذكرنا وجه المناسبة في هذا أن البيت المعمور هو في السماء السابعة بمنزلة الكعبة في
الارض * وقد روى سفيان الثوري وشعبة وأبو الاحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة أن ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب عن البيت المعمور فقال هو مسجد في السماء يقال له الضراح، وهو بحيال الكعبة من فوقها.
حرمته في السماء كحرمة البيت في الارض يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يعودون إليه أبدا * وهكذا روى علي بن ربيعة وأبو الطفيل عن علي مثله * وقال الطبراني أنبأنا الحسن بن علوية القطان حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة حدثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قط فإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة ".
يعنى في الارض وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع بن أنس والسدي وغير واحد * وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لاصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور قالوا الله ورسوله أعلم * قال قال مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم * وزعم الضحاك أنه تعمره طائفة من الملائكة يقال لهم الجن من قبيلة إبليس لعنه الله كان يقول سدنته وخدامه منهم والله أعلم * وقال آخرون: في كل سماء بيت يعمره ملائكته بالعبادة فيه ويفدون إليه بالنوبة والبدل كما
__________
(1) سورة النجم الايتان 9 - 10.
(2) سورة النجم الآيات 13 - 17.
(3) وقيل جراد عن أنس بن مالك، القرطبي / - الفخر الرازي.
[ * ]
(1/43)

يعمر أهل الارض البيت العتيق بالحج في كل عام والاعتمار في كل وقت والطواف والصلاة في كل آن * قال سعيد بن يحيى بن سعيد الاموي في أوائل كتابه المغازي * حدثنا أبو عبيد في حديث مجاهد " أن الحرم حرم مناه (يعني قدره) من السموات السبع والارضين السبع وأنه رابع أربعة عشر بيتا في كل سماء بيت وفي كل أرض بيت لو سقطت سقط بعضها على بعض " ثم روى مجاهد
قال مناه أي مقابله وهو حرف مقصور.
ثم قال حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن أبي سليمان مؤذن الحجاج سمعت عبد الله بن عمرو يقول " إن الحرم محرم في السموات السبع مقداره من الارض - وإن بيت المقدس مقدس في السموات السبع مقداره من الارض كما قال بعض الشعراء.
إن الذي سمك السماء بنى لها * بيتا دعائمه أشد وأطول واسم البيت الذي في السماء بيت العزة * واسم الملك الذي هو مقدم الملائكة فيها إسماعيل * فعلى هذا يكون السبعون ألفا من الملائكة الذين يدخلون في كل يوم إلى البيت المعمور ثم لا يعودون إليه.
آخر ما عليهم (أي لا يحصل لهم نوبة فيه إلى آخر الدهر) يكونون من سكان السماء السابعة وحدها.
ولهذا قال تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو) (1) وقال الامام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق (2) عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد لو علمتم ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزوجل " (3) فقال أبو ذر (والله لوددت أني شجرة تعضد) ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث إسرائيل فقال الترمذي حسن غريب ويروى عن أبي ذر موقوفا * وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا حسين بن عرفة المصري حدثنا عروة بن عمران الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لا نشرك بك شيئا ".
فدل هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السموات السبع إلا وهو مشغول بالملائكة وهم في صنوف من العبادة.
منهم من هو قائم أبدا.
ومنهم من هو راكع أبدا ومنهم من هو ساجد أبدا ومنهم من هو في صنوف أخر والله أعلم بها.
وهم دائمون في عبادتهم وتسبيحهم وأذكارهم وأعمالهم التي أمرهم الله بها، ولهم منازل عند ربهم كما قال تعالى (وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن
__________
(1) سورة المدثر الآية 31.
(2) مورق بتشديد الراء، بن مشمدخ بن عبد الله العجلي، أبو المعتمر البصري ثقة عابد مات بعد المائة / تقريب التهذيب 2 / 280.
(3) مسند أحمد ج 5 / 173.
[ * ]
(1/44)

المسبحون) (1) وقال صلى الله عليه وسلم: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها * قالوا وكيف يصفون عند ربهم قال يكملون الصف الاول ويتراصون في الصف " (2) * وقال صلى الله عليه وسلم: (فضلنا على الناس بثلاث * جعلت لنا الارض مسجدا وتربتها لنا طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة) (3).
وكذلك يأتون يوم القيامة بين يدي الرب جل جلاله صفوفا كما قال تعالى (وجاء ربك والملك صفا صفا) (4) ويقفون صفوفا بين يدي ربهم عز وجل يوم القيامة كما قال تعالى (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) (5) * والمراد بالروح ههنا بنو آدم قاله ابن عباس والحسن وقتادة * وقيل ضرب من الملائكة يشبهون بني آدم في الشكل * قاله ابن عباس ومجاهد وأبو صالح والاعمش * وقيل جبرئيل * قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك * وقيل ملك يقال له الروح بقدر جميع المخلوقات * قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم يقوم الروح) قال هو ملك من أعظم الملائكة خلقا (6) * وقال ابن جرير حدثني محمد بن خلف العسقلاني حدثنا داود ابن الجراح عن أبي حمزة عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال الروح في السماء الرابعة هو أعظم السموات والجبال ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكا من الملائكة يحيي يوم القيامة صفا وحده * وهذا غريب جدا * وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم المصري حدثنا ابن وهب بن رزق أبو هبيرة حدثنا بشر بن بكر حدثنا الاوزاعي حدثني عطاء عن عبد الله بن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن لله ملكا لو قيل له التقم السموات والارضين بلقمة واحدة لفعل.
تسبيحه سبحانك حيث كنت " وهذا أيضا حديث غريب جدا * وقد يكون موقوفا * وذكرنا في
صفة حملة العرش عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام " رواه أبو داود
__________
(1) سورة الصافات الآيات 165.
(2) أخرجه مسلم في الصلاة ح 119 - وأبو داود في الصلاة 93 - 96 - 65، والنسائي في الامامة 28 - وابن ماجة في الاقامة ح 50 والامام أحمد في مسنده 2 / 98 و 5 / 101.
(3) أخرجه مسلم عن حذيفة بن اليمان - 5 - كتاب المساجد ح 4 / ص (1 / 371) والبيهقي في الدلائل ج 5 / 475 عن حذيفة.
وفيه: فضلت على الناس.
(4) سورة الفجر الآية 22.
(5) سورة النبأ الآية 38.
(6) قال القرطبي ج 19 / 187: اختلف في الروح على أقوال ثمانية:..وذكر منها: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الروح جند من جنود الله ليسوا بملائكة لهم رؤوس وأيد وأرجل ".
فهم خلق على صورة بني آدم كالناس وليسوا بناس.
وقيل الروح: أرواح بني آدم.
قاله عطبة.
وقيل القرآن عن زيد بن أسلم.
[ * ]
(1/45)

وابن أبي حاتم ولفظه مخفق الطير سبعمائة عام.
وقد ورد في صفة جبريل عليه السلام أمر عظيم قال الله تعالى (علمه شديد القوى) قالوا كان من شدة قوته أنه رفع مدائن قوم لوط وكن سبعا بمن فيها من الامم وكانوا قريبا من أربعمائة ألف وما معهم من الدواب والحيوانات وما لتلك المدن من الاراضي والمعتملات والعمارات وغير ذلك * رفع ذلك كله على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب وصياح ديكتهم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فهذا هو شديد القوى.
وقوله (ذو مرة) أي خلق حسن وبهاء وسناء كما قال في الآية الاخرى (إنه لقول رسول كريم) [ الحاقة: 40 ]
أي جبريل رسول من الله كريم أي حسن المنظر (ذي قوة) أي له قوة وبأس شديد (عند ذي العرش مكين) أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله (ذي العرش المجيد) مطاع ثم أي مطاع في الملا الاعلى أمين أي ذي أمانة عظيمة ولهذا كان هو السفير بين الله وبين أنبيائه عليهم السلام الذي ينزل عليهم بالوحي.
فيه الاخبار الصادقة والشرائع العادلة * وقد كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل عليه في صفات متعددة كما قدمنا.
وقد رآه على صفته التي خلقه الله عليها مرتين * له ستمائة جناح كما روى البخاري عن طلق بن غنام عن زائدة الشيباني قال سألت زرا عن قوله (فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال حدثنا عبد الله يعني ابن مسعود أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
وقال الامام أحمد (1) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن جامع بن راشد عن أبي وائل عن عبد الله قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرئيل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الافق يسقط من جناحه التهاويل من الدر والياقوت ما الله به عليم.
وقال أحمد أيضا حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود في هذه الآية (ولقد راه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) (2) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه التهاويل الدر والياقوت ".
وقال أحمد (3) حدثنا زيد بن الحباب حدثنا الحسين حدثني عاصم بن بهدلة سمعت شقيق بن سلمة يقول سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جبريل على السدرة المنتهى وله ستمائة جناح فسألت عاصما عن الاجنحة فأبى أن يخبرني قال فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب * وهذه أسانيد جيدة قوية انفرد بها أحمد *
__________
(1) مسند أحمد ج 1 / 460.
(2) سورة النجم الآية 13.
(3) مسند أحمد ج 1 / 407، والحسين هو بن واقد المروزي أبو عبد الله القاضي ثقة له أوهام.
قاضى مرو، قال ابن المبارك من مثله ؟ وثقه ابن معين وغيره مات سنة 159 ه وقيل سنة سبع وخمسين / تقريب التهذيب 1 / 180
الكاشف 1 / 173.
[ * ]
(1/46)

وقال أحمد حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين حدثني حصين حدثني شقيق سمعت ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل في خضر (1) تعلق به الدر " * إسناده صحيح * وقال ابن جرير حدثنا ابن بزيغ البغدادي قال حدثنا اسحاق بن منصور قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملا ما بين السماء والارض * إسناد جيد قوي * وفي الصحيحين من حديث عامر الشعبي عن مسروق قال كنت عند عائشة فقلت أليس الله يقول (ولقد رآه بالافق المبين ولقد رآه نزلة أخرى) فقالت: أنا أول هذه الامة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين رآه منهبطا من السماء إلى الارض ساد أعظم خلقه ما بين السماء والارض.
وقال البخاري (2) حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر (ح) وحدثني يحيى بن جعفر حدثنا وكيع عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: " ألا تزورنا أكثر مما تزورنا قال فنزلت (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) (1) الآية * وروى البخاري (3) من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة * وقال البخاري (4) حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر العصر شيئا فقال له عروة أما إن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر أعلم ما تقول يا عروة قال سمعت بشير بن أبي مسعود يقول سمعت أبا مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نزل جبريل فأمني فصليت معه ثم صليت معه ثم صليت معه ثم صليت معهن ثم صليت معه " يحسب بأصابعه خمس صلوات.
ومن صفة إسرافيل عليه السلام وهو أحد حملة العرش وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة * أولا هن نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث كما سيأتي بيانه في موضعه من كتابنا هذا بحول الله وقوته وحسن توفيقه * والصور قرن ينفخ فيه.
كل دارة منه كما بين السماء والارض.
وفيه موضع أرواح العباد حين يأمره الله بالنفخ للبعث فإذا نفخ تخرج الارواح
__________
(1) مسند أحمد 1 / 407 وفيه: خضر حصين.
قال في التاج: الخصر اسم للرخص من الشجر إذا قطع وخضر.
(2) في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة 4 / 80.
(3) نفس المصدر والباب ص 4 / 81.
(4) نفس المصدر والصفحة.
[ * ]
(1/47)

تتوهج فيقول الرب جل جلاله: " وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى البدن الذي كانت تعمره في الدنيا فتدخل على الاجساد في قبورها فتدب فيها كما يدب السم في اللديغ فتحيى الاجساد وتنشق عنهم الاجداث فيخرجون منها سراعا إلى مقام المحشر " كما سيأتي تفصيله في موضعه.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر أن يؤذن له " * قالوا كيف نقول يارسول الله قال: " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ".
على الله توكلنا " * رواه أحمد والترمذي من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري * وقال الامام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن سعد الطائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: " عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل " عليهم السلام.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن عمر أن ابن أبي ليلى (1) حدثني عن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس * قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل بناحية إذ انشق أفق السماء فأقبل إسرافيل يدنو من الارض ويتمايل فإذا ملك قد مثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا محمد إن الله يأمرك أن تختار بين نبي عبد أو ملك نبي قال: " فأشار
جبريل إلي بيده (أن تواضع) فعرفت أنه لي ناصح فقلت: " عبد نبي " (2) فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت: يا جبريل قد كنت اردت أن أسألك عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل ؟ فقال هذا إسرافيل عليه السلام خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه بينه وبين الرب سبعون نورا ما منها من نور يكاد يدنو منه إلا احترق بين يديه لوح فإذا أذن الله في شئ من السماء أو في الارض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فإن كان من عملي أمرني به وإن كان من عمل ميكائيل أمره به وإن كان من عمل ملك الموت أمره به * قلت " يا جبريل وعلى أي شئ أنت " قال: على الريح والجنود * قلت: " وعلى أي شئ ميكائيل " قال: على النبات والقطر قلت: " وعلى أي شي ملك الموت " قال: على قبض الانفس وما ظننت أنه نزل إلا لقيام الساعة وما الذي رأيت مني إلا خوفا من قيام الساعة * هذا حديث غريب من هذا الوجه * وفي صحيح مسلم (3) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك (4) إنك تهدي من تشاء إلى صراط
__________
(1) في تقريب التهذيب: محمد بن عمران بن محمد بن أبي ليلى، أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق.
قال أبو حاتم صدوق أملى علينا من كتاب الفرائض من حفظه عن أبيه عن جده - ج 2 / 196 والكاشف ج 3 / 76.
(2) أخرجه البيهقي بنحوه عن ابن عباس ولم يسم الملك.
دلائل ج 1 / 334، وأخرجه أيضا أحمد في مسنده 2 / 231 عن أبي هريرة.
ولم يسم الملك أيضا وآخره قال: بل عبدا رسولا.
(3) في 6 كتاب صلاة المسافرين وقصرها 26 باب الدعاء في صلاة الليل وقيامها ح 200 (770) ص 1 / 534.
(4) قوله: اهدني.
باذنك: معناه ثبتني عليه.
[ * ]
(1/48)

مستقيم * وفي حديث الصور أن إسرافيل أول من يبعثه الله بعد الصعق لينفخ في الصور * وذكر محمد بن الحسن النقاش أن إسرافيل أول من سجد من الملائكة فجوزي بولاية اللوح المحفوظ * حكاه أبو القاسم السهيلي في كتابه (التعريف والاعلام.
بما أبهم في القرآن من الاعلام) * وقال
تعالى * من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) (1) عطفهما على الملائكة لشرفهما فجبريل ملك عظيم قد تقدم ذكره * وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات وهو ذو مكانة من ربه عز وجل ومن أشراف الملائكة المقربين * وقد قال الامام أحمد حدثنا أبو اليمان حدثنا ابن عباس عن عمارة بن غزنة الانصاري أنه سمع حميد بن عبيد مولى بني المعلى يقول سمعت ثابتا البناني يحدث عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل: مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط (2) فقال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار * فهؤلاء الملائكة المصرح بذكرهم في القرآن وفي الصحاح (3) هم المذكورون في الدعاء النبوي " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل * فجبريل ينزل بالهدى على الرسل لتبليغ الامم.
وميكائيل موكل بالقطر والنبات الذين يخلق منهما الارزاق في هذه الدار * وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه.
يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله.
وقد روينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الارض " وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور للقيام من القبور.
والحضور يوم البعث والنشور ليفوز الشكور.
ويجازي الكفور.
فذاك ذنبه مغفور.
وسعيه مشكور * وهذا قد صار عمله كالهباء المنثور.
وهو يدعو بالويل والثبور " فجبريل عليه السلام يحصل بما ينزل به الهدى * وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق.
وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء * وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ولا في الاحاديث الصحاح.
وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل والله أعلم.
وقد قال الله تعالى * قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) [ السجدة: 11 ] وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته حتى تبلغ الحلقوم فيتناولها ملك الموت بيده فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها منه فيلقوها في أكفان تليق بها كما قد بسط عند قوله: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) [ إبراهيم: 27 ].
ثم يصعدون بها فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء وإلا غلقت دونها وألقي بها إلى
الارض قال الله تعالى (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت
__________
(1) سورة البقرة الآية 98.
(2) مسند أحمد 3 / 224.
(3) أي الاحاديث الصحيحة.
[ * ]
(1/49)

وفته رسلنا وهم لا يفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين * [ الانعام: 61 ].
وعن ابن عباس ومجاهد وغير واحد أنهم قالوا إن الارض بين يدي ملك الموت مثل الطست بتناول منها حيث يشاء وقد ذكرنا أن ملائكة الموت يأتون الانسان على حسب عمله إن كان مؤمنا اتاه ملائكة بيض الوجوه بيض الثياب طيبة الارواح.
وإن كان كافرا فبالضد من ذلك * عياذا بالله العظيم من ذلك * وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري حدثنا عمرو بن شمر قال سمعت جعفر بن محمد قال سمعت أبي يقول نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الانصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن " فقال ملك الموت: يا محمد طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق * واعلم أن ما في الارض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتفحصهم في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم بأنفسهم والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها.
قال جعفر بن محمد أبي هو الصادق بلغني بتفحصهم عند مواقيت الصلاة فإذا حضر عند الموت فإذا كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان ولقنه الملك (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في تلك الحال العظيمة.
هذا حديث مرسل وفيه نظر وذكرنا في حديث الصور من طريق إسمعيل بن رافع المدني القاص عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث) بطوله.
وفيه ويأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق فينفخ نفخة الصعق فيصعق أهل السموات وأهل الارض إلا من شاء الله فإذا هم قد خمدوا
جاء ملك الموت إلى الجبار عزوجل فيقول يا رب قد مات أهل السموات والارض إلا من شئت * فيقول الله وهو أعلم بمن بقي (فمن بقي) فيقول بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت حملة عرشك وبقي جبريل وميكائيل * فيقول ليمت جبريل وميكائيل فينطق الله العرش فيقول يا رب يموت جبريل وميكائيل فيقول: اسكت فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرسي فيموتان " ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عزوجل فيقول يا رب قد مات جبريل وميكائيل فيقول الله وهو أعلم بمن بقي فمن بقي ؟ فيقول بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت حملة عرشك وبقيت أنا فيقول الله لتمت حملة عرشي.
فتموت.
ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ثم يأتي ملك الموت فيقول يا رب قد مات حملة عرشك فيقول الله وهو أعلم بمن بقي (فمن بقي) فيقول بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت أنا فيقول الله أنت خلق من خلقي خلقتك لما أردت فمت فيموت فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد * كان آخرا كما كان أولا * وذكر تمام الحديث بطوله رواه الطبراني وابن جرير والبيهقي ورواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب (الطوالات) وعنده زيادة غريبة وهي قوله فيقول الله له أنت خلق من خلقي خلقتك لما أردت فمت موتا لا تحيى بعده أبدا.
(1/50)

ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن هاروت وماروت في قول جماعة كثيرة من السلف * وقد ورد في قصتهما وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات * وروى الامام أحمد حديثا مرفوعا عن ابن عمر وصححه ابن حبان في تقاسيمه.
وفي صحته عندي نظر والاشبه أنه موقوف على عبد الله بن عمر ويكون مما تلقاه عن كعب الاحبار كما سيأتي بيانه والله أعلم * وفيه أنه تمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر * وعن علي وابن عباس وابن عمر أيضا ان الزهرة كانت امرأة وأنهما لما طلبا منها ما ذكر أبت إلا أن يعلماها الاسم الاعظم فعلماها فقالته فارتفعت إلى السماء فصارت كوكبا * وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال وفي ذلك الزمان إمرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب.
وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن الزهرة * ثم قيل
كان أمرهما وقصتهما في زمان إدريس * وقيل في زمان سليمان بن داود كما حررنا ذلك في التفسير.
وبالجملة فهو خبر إسرائيلي مرجعه إلى كعب الاحبار كما رواه عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب أحبار بالقصة * وهذا أصح إسنادا وأثبت رجالا والله أعلم.
ثم قد قيل إن المراد بقوله * وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت * (1) قبيلان من الجان قاله ابن حزم وهذا غريب وبعيد من اللفظ * ومن الناس من قرأ وما أنزل على الملكين بالكسر ويجعلهما علجين من أهل فارس.
قاله الضحاك.
ومن الناس من يقول هما ملكان من السماء ولكن سبق في قدر الله لهما ما ذكره من أمرهما إن صح به الخبر ويكون حكمهما كحكم إبليس إن قيل إنه من الملائكة لكن الصحيح أنه من الجن كما سيأتي تقريره.
ومن الملائكة المسمين في الحديث منكر ونكير عليهما السلام.
وقد استفاض في الاحاديث ذكرهما في سؤال القبر.
وقد أوردناها عند قوله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) (2) وهما فتانا القبر موكلان بسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه ويمتحنان البر والفاجر وهما أزرقان أفرقان لهما أنياب وأشكال مزعجة وأصوات مفزعة أجارنا الله من عذاب القبر وثبتنا بالقول الثابت آمين * وقال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا ابن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " هل أتي عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟.
قال: " لقد لقيت من قومك (3) وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة (4) إذا عرضت نفسي على ابن عبد
__________
(1) سورة البقرة الآية 102.
(2) سورة إبراهيم الآية 27.
(3) قومك: أي قريش، وتقدير العبارة: لقد لقيت منهم ما لقيت.
(4) يوم العقبة: وهو اليوم الذي وقف به النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة بمنى داعيا الناس إلى الاسلام والى الله رب العالمين [ * ]
(1/51)

ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (1) فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا به عليك وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الاخشبين (2) فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا * ورواه مسلم من حديث ابن وهب به (3).
فصل ثم الملائكة عليهم السلام بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام * فمنهم حملة العرش كما تقدم ذكرهم ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش.
وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة المقربون) (4) * ومنهم جبريل وميكائيل عليهما السلام.
وقد ذكر الله عنهم أنهم يستغفرون للمؤمنين بظهر الغيب كما قال تعالى: (ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم.
ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
إنك أنت العزيز الحكيم.
وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته.
وذلك هو الفوز العظيم) (5).
ولما كانت سجاياهم هذه السجية الطاهرة كانوا يحبون من اتصف بهذه الصفة فثبت في الحديث عن الصادق المصدوق أنه قال " إذا دعا العبد لاخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثل " (6).
__________
= موحدين له، فما أجيب إلا بالاذى وذلك اليوم أصبح معروفا.
(1) قرن الثعالب: هو قرن المنازل - وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكة، والقرن أصله كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير.
(2) الاخشبان: جبلا مكة: أبو قبيس والجبل الذي يقابله.
(3) في (32) كتاب الجهاد والسير - 39 باب ما لقي النبي من أذى المشركين ح 111 - 1795 ص 3 / 420 والبخاري رقم / 1525 - (4) سورة النساء الآية 172.
(5) سورة غافر الآية 7.
(6) رواه الترمذي في صحيحه في بر / 50.
وأبو داود كتاب الصلاة - باب الدعاء بظهر الغيب ج 1534، ج 2 / 89.
وابن ماجة في المناسك (5).
[ * ]
(1/52)

ومنهم سكان السموات السبع يعمرونها عبادة دائبة ليلا ونهارا صباحا ومساء كما قال [ تعالى ]: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [ الانبياء: 20 ] فمنهم الراكع دائما والقائم دائما والساجد دائما * ومنهم الذين يتعاقبون زمرة بعد زمرة إلى البيت المعمور كل يوم سبعون ألفا لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرامة لاهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها من ملابس ومصاغ ومساكن ومآكل ومشارب وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وخازن الجنة ملك يقال له رضوان جاء مصرحا به في بعض الاحاديث.
ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية * ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة.
وهم المذكورون في قوله تعالى (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب) [ غافر: 49 ] الآية.
وقال تعالى (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك.
قال انكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) [ الزخرف: 77 ] وقال تعالى (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) [ التحريم: 6 ] وقال تعالى (عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أتوا الكتاب ويزداد الدين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين اؤتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا *
كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء * وما يعلم جنود ربك إلا هو) [ المدثر: 31 ].
وهم الموكلون بحفظ بني آدم كما قال تعالى (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به.
ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار * له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظون من أمر الله ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) [ الرعد: 10 ].
قال الوالبي عن ابن عباس (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) وهي الملائكة وقال عكرمة عن ابن عباس يحفظونه من أمر الله * قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه وقال مجاهد ما من عبد إلا وملك موكل بحفظه في نومه.
ويقظته من الجن والانس والهوام.
وليس شئ يأتيه يريده إلا وقال وراءك إلا شئ يأذن الله فيه فيصيبه.
وقال أبو أسامة (1): ما من آدمي إلا ومعه ملك يذود عنه حتى يسلمه للذي قدر له.
وقال أبو مجلز جاء رجل إلى علي فقال: إن نفرا من مراد يريدون قتلك فقال إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإن الاجل جنة (2) حصينة.
__________
(1) في القرطبي 9 / 293 أبو أمامة.
(2) في القرطبي: حصن.
[ * ]
(1/53)

ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد كما قال تعالى: (عن اليمين وعن الشمال قعيد.
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ ق: 18 ] وقال تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) [ الانفطار: 12 ] قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في تفسيره حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع حدثنا سفيان ومسعر عن علقمة بن يزيد عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجذم حائط أو بعيره أو يستره أخوه " هذا مرسل من هذا الوجه وقد وصله البزار في مسنده من طريق جعفر بن
سليمان * وفيه كلام عن علقمة عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من الله والذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات الغائط والجنابة والغسل.
فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستر بثوبه أو بجذم حائط أو بعيره.
ومعنى اكرامهم أن يستحي منهم فلا يملي عليهم الاعمال القبيحة التي يكتبونها فان الله خلقهم كراما في خلقهم وأخلاقهم * ومن كرمهم أنه قد ثبت في الحديث المروي في الصحاح والسنن والمسانيد من حديث جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب (1) وفي رواية عن عاصم بن ضمرة عن علي (ولا بول) وفي رواية رافع عن أبي سعيد مرفوعا لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا تمثال.
وفي رواية مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو تمثال.
وفي رواية ذكوان أبي صالح السماك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب أو جرس.
ورواه زرارة بن أوفى عنه لا تصحب الملائكة رفقة معهم جرس.
وقال البزار حدثنا إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقلوس.
حدثنا بيان بن حمران حدثنا سلام عن منصور بن زاذان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن ملائكة الله يعرفون بني آدم - وأحسبه.
قال - ويعرفون أعمالهم فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا أفلح الليلة فلان نجا الليلة فلان.
وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسموه.
وقالوا هلك فلان الليلة * ثم قال سلام أحسبه سلام المدائني (2) وهو لين الحديث.
وقد قال البخاري حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق وكتاب الانبياء والمغازي والنكاح.
وأبو داود في اللباس - والترمذي - والنسائي في الطهارة والصيد ومالك في الموطأ " الاستئذان " والدارمي في الاستئذان.
والامام أحمد في مسنده 1 / 80 - 82 - 107 - 129 - 150.
(2) سلام بتشديد اللام، ابن سليم أو سلم أبو سليمان التميمي ويقال الطويل، المدائني متروك تقريب 1 / 342 قال
البخاري: تركوه الكاشف 1 / 330.
[ * ]
(1/54)

الاعرح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر.
ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون.
وأتيناهم وهم يصلون * هذا اللفظ في كتاب بدء الخلق بهذا السياق وهذا اللفظ تفرد به دون مسلم من هذا الوجه * وقد أخرجاه في الصحيحين في البدء من حديث مالك عن أبي الزناد به * وقال البزار حدثنا زياد بن أيوب حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي حدثنا تمام بن نجيح عن الحسن يعني البصري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من حافظين يرفعان إلى الله عزوجل ما حفظا في يوم فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفارا إلا قال الله غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة * ثم قال تفرد به تمام بن نجيح وهو صالح الحديث * قلت وقد وثقه ابن معين وضعفه البحاري وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وابن عدي ورماه ابن حبان بالوضع وقال الامام أحمد لا أعرف حقيقة أمره والمقصود أن كل إنسان له حافظان ملكان اثنان واحد من بين يديه وآخر من خلفه يحفظانه من أمر الله بأمر الله عزوجل * وملكان كاتبان عن يمينه وعن شماله وكاتب اليمين أمير على كاتب الشمال.
كما ذكرنا ذلك عند قوله تعالى: (عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ ق: 18 ].
فأما الحديث الذي رواه الامام أحمد حدثنا أسود ابن عامر * حدثنا سفيان.
حدثنا منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد الله هو ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإياك يارسول الله قال وإياي ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير.
انفرد بإخراجه مسلم من حديث منصور به فيحتمل أن هذا القرين من الملائكة غير القرين بحفظ الانسان وإنما هو موكل به ليهديه ويرشده بإذن ربه إلى سبيل الخير وطريق الرشاد كما أنه قد وكل به القرين من الشياطين لا يألوه جهدا في الخبال والاضلال.
والمعصوم من عصمه الله عزوجل وبالله المستعان (1) وقال البخاري حدثنا أحمد بن يونس حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والاغر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الاول فالاول فإذا جلس الامام طووا الصحف
__________
(1) مسند أحمد: ج 1 / 385 - 401 ومنصور: هو منصور بن زاذان.
وفيه بحق بدل بخير.
وأخرجه مسلم في 50 كتاب صفات المنافقين 16 باب ح 69 (2814) ص 4 / 2167 قال القاضي: وأعلم أن الامة مجتمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه.
وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا أنه معنا، لنحترز منه بحسب الامكان.
[ * ]
(1/55)

وجاؤوا يسمعون الذكر وهكذا رواه منفردا به من هذا الوجه وهو في الصحيحين ومن وجه آخر * وقد قال الله تعالى (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) * وقال الامام أحمد حدثنا أسباط حدثنا الاعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم * وحدثنا الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار * ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث أسباط * وقال الترمذي حسن صحيح * قلت وهو منقطع.
وقال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال: " فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة.
ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " يقول أبو هريرة إقرؤا إن شئتم (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) وقال البخاري حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الاعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان لعنتها
الملائكة حتى تصبح " * تابعه شعبة وأبو حمزة وأبو داود وأبو معاوية عن الاعمش.
وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمن الامام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " * وفي صحيح البخاري حدثنا إسماعيل بلفظ: " إذا قال الامام آمين فإن الملائكة تقول في السماء آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " * وفي صحيح البخاري حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن سمي (1) عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا (اللهم ربنا ولك الحمد) فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ".
ورواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث مالك * وقال الامام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هو شك (يعني الاعمش) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ملائكة سياحين في الارض فضلا عن كتاب الناس فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله فنادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا فيقول الله أي شئ تركتم عبادي يصنعون فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك فيقول وهل رأوني فيقولون لا فيقول كيف لو رأوني فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وتمجيدا وذكرا * قال فيقول فأي شئ يطلبون فيقولون يطلبون الجنة فيقول وهل رأوها فيقولون لا فيقول وكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا قال فيقول من أي يتعوذون، فيقولون من النار فيقول وهل رأوها فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوها فيقولون لو رأوها كانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا.
قال فيقول أشهدكم أني قد غفرت لهم.
قال فيقول إن فيهم فلانا
__________
(1) سمي: مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة قتل يوم قديد سنة 13 وفي التقريب سنة 30 وهو الصواب قتلته الحرورية: (1 / 333) (الكاشف 1 / 223).
[ * ]
(1/56)

الخطاء لم يردهم إنما جاء لحاجة فيقول هم القوم لا يشقي بهم جليسهم (1).
وهكذا رواه البخاري عن قتيبة عن جرير بن عبد الحميد عن الاعمش به.
وقال رواه شعبة عن الاعمش ولم يرفعه.
ورفعه سهيل عن أبيه.
وقد رواه أحمد عن عفان عن وهيب عن سهيل
عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه كما ذكره البخاري معلقا عن سهيل.
ورواه مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد عن وهب به.
وقد رواه الامام أحمد أيضا عن غندر عن شعبة عن سليمان (هو الاعمش) عن أبي صالح عن أبي هريرة كما أشار إليه البخاري رحمه الله * وقال الامام أحمد حدثنا أبو معاوية.
حدثنا الاعمش وابن نمير * وأخبرنا الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نفس عن مؤمن كربة عن كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة * ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ومن سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدا رسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده * ومن بطأ (2) به عمله لم يسرع به نسبه " * وكذا رواه مسلم من حديث أبي معاوية * (3) وقال الامام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أبي إسحاق عن الاغر (أبي مسلم) عن أبي هريرة وأبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: " ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده * وكذا رواه أيضا من حديث إسرائيل وسفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق به نحوه * ورواه مسلم م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
البداية والنهاية الجزء1 ابن الكثير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البداية والنهاية الجزء1 ابن الكثير
» علمتني الكثير ياذو القلب الكبير
» وقفتك أمام المرآة تعني الكثير!!!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سهر كول :: § منتديات ســـهــر ألآدب والشـعـر§ :: ҉ ǁ منـتـدى قصص والروايات ҉ ǁ-
انتقل الى:  
سحابة الكلمات الدلالية
يحدث حدث فوتوشوب اسطوانة عجينة يونيو ماذا تعليم
اتصلو بنا
 
 
إتصلوا بنا
 إذا كنتم تعانون من مشكلة او آى استفسار عن اى شئ فإتصل بنا عبر بريدنا الإلكتروني
 أو عبر ضغط على الزر إتصلوا بنا الذي ستجدونه فوق
 
 

الساعة الان بتوقيت القاهره

جميع الحقوق محفوظة لمنتدى سهر كول
 
حقوق الطبع والنشر©2010 - 2011
http://sahr.vampire-legend.net
 
المشاركات المنشورة بالمنتدى لاتعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى ولا تمثل إلا رأي أصحابها فقط

$