شاء حظى أن أشاهد لقاء (وائل غنيم) فى العاشرة مساء، وفى أعقابها شاهدت حلقة مباشر مع عمرو أديب عن الفساد فى مصر (وكلاهما متاح على النت). أبكانى «وائل»، وأنا تقريبا إنسان بلا دموع، وأبكانى الحضور فى اللقاء الآخر على مصر التى سرقها السارقون ونهبها الناهبون. وما أحزننى أكثر أننى بذلت النهار كله تقريبا منافحا عن الشباب المتظاهرين واستمرار تظاهرهم حتى يصلوا إلى حقهم فى أن يتحمل المسئول الأكبر نتائج ما اقترف بنفسه وما اقترف باسمه.
والغريب أننى كنت أحاجج شبابا آخرين يوجهون سيلا من التشكيك والسخرية إلى المتظاهرين، وسط شكاوى من المتظاهرين بسبب من يسخرون منهم ويتهمونهم بالعمالة. إنهم يموتون كى يحيونا، ومنا من يقتل نبلهم بالجهل والغفلة.
شباب مصر كنيل مصر، قطرات من الماء تتجمع فى هدوء وتأتى من بعيد فى رسوخ، وفجأة تدمر هادرة ما يقف فى وجهها، ثم ترسو واثقة على الأرض الهامدة، فتجد أرض مصر اهتزت وربت وأنبتت من كل خير عظيم.
يا لروعة الشلال الهادر ويا لروعة السابح الماهر! الشلال الهادر هو النقاء والطهر والأمل، والسابح الماهر هو شباب مصر الذين اجتمعت فيهم جميع عناصر التحضر التى طالما اختفت تحت وطأة تحالف القهر والاستبداد والفساد.
لقد أصبحت أكثر يقينا بأن الرئيس مبارك لابد أن يحاكم على ما حدث فى مصر خلال حكمه: ولو كان قرر ما حدث عن قصد وتدبير فتلك جريمة، ولو كان يعلم وسكت فتلك جريمة؛ ولو كان لا يعلم وغفل فتلك جريمة.
لا أعرف كيف نظل ندافع عن «تاريخ الرجل» وندين له بالولاء وكأن قيادته لسلاح الجو فى حرب أكتوبر لم يأت بعدها تكريم على واجب أداه. وكيف لا يَعقُب التكريم محاسبة على الأخطاء؟ إلا إذا كنا أمام أحد سيناريوهين: الأول نحن شركاء فى الفساد، فلا نريد محاكمة الفاسدين والمفسدين؛ أو أننا شعب لديه قابلية هائلة «للاستحمار» على حد تعبير على شريعتى.
لقد خرج لنا أبطال من شباب الثورة فى كل ربوع مصر: شباب نقى بلا فساد وبلا قابلية للاستحمار، حتى يعيدوا لهذا الوطن مجده. وبداية المجد أن يختفى الحزب الوطنى من حياتنا السياسية لأنه ثبت بالدليل القاطع أنه وكر للفاسدين والمفسدين. وكى تستعيد مصر الأموال المسروقة من شعبها، فلا بد أن تقوم حكومة المستقبل بمحاسبة السابقين واستعادة الأموال المهربة وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت الحكومة القادمة حكومة وطنية بلا «حزب وطنى». يا شباب مصر: تظاهروا حتى تطهرونا ممن «استحمرونا».