موضوع: الأحلام التى اغتالتها رصاصات قناصة الداخلية الخميس 10 فبراير - 6:12:06
حسين جمعة.. تمنى الشهادة ونالها بعد نصف ساعة
«نفسى أروح المظاهرات وباتمنى أموت شهيد»، كانت هذه هى الأمنية الأخيرة للشهيد حسين جمعة، الذى كان يعمل مدرسا للغة العربية.
«مارحموش ضعفه وعجزه»، كلمات بلهجة الأسى على لسان محمد جمعة حسين، شقيق الشهيد حسين، وصف بها حال أخيه المعاق والذى كان يستعد للزواج قبل أن يخرج ولم يعد من مظاهرات الغضب فى 28 يناير.
«كان قاعد مع والدى يوم الجمعة، وكان نفسه يروح المظاهرات، بس والدى قاله مش هتقدر علشان رجلك»، ليرد عليه «بتمنى من ربنا أكون شهيد»، وبعدما علم أن أخاه الأصغر محمود خرج من مسجد الهدى المحمدى فى ميدان المطرية، إلى التظاهرات، قرر الخروج جنبا إلى جنب مع شقيقه، خاصة بعدما علم أن الشرطة بدأت فى استخدام الرصاص الحى ضد المتظاهرين، «شاف ناس بتجرى فى اتجاهه فدخل شارع جانبى»، إلا أن الرصاص الغاشم اخترق ذراعه اليمنى ومنه إلى صدره».
هذه الرواية عرفها محمد شقيق الشهيد، بعدما ذابت قدمه بحثا عنه فى كل المستشفيات والأقسام، و«كشوف المصابين والقتلى»، ولم يعثر عليه، وأخيرا جاء على ذهنه السؤال عن الحالات المفقودة فى مستشفى المطرية، «ودخلت المشرحة وفتحت الثلاجة لقيت أخويا راقد جثة هامدة».
محمد أكد لـ«الشروق» أن المطرية فقدت نحو 6 من شبابها فى مظاهرات الغضب، وأن معظم الإصابات والقتلى راحوا نتيجة الرصاص الحى الذى استهدف الرأس والصدر مباشرة، مثلما حدث مع شقيقه.
حسين وهو الأخ الأوسط بين إخوته، فمحمد يكبره سنا، ومحمود يصغره فى العمر، تمنى الشهادة ونالها فى غضون نصف الساعة.
رامى جمال.. ردد الشهادة 3 مرات وأغمض عينيه وابتسم و..مات
«كان حنين قوى لدرجة انه مرة كان فى قطة محبوسة فى محل بجوار الشركة التى يعمل بها وكانت تصرخ من الجوع، كسر حتة من باب المحل، واشترى لبن وحطه علشان تشرب»، تحكى شرين، شقيقة رامى جمال، أحد شهداء ثورة الشباب.
رامى الذى لم ترحمه قناصة الداخلية كان شديد الرحمة بالمخلوقات الضعيفة، تقول أخته إن ابنتها كان لديها كتكوت، وكان رامى يعتنى به ويطعمه، وفى يوم لاحظ رامى أن الكتكوت لا يأكل فأخذ يتفحصه فوجد خيطا من خيوط السجادة قد التف حول لسانه، أتى «بملقاط» وأخذ ينظف فم الكتكوت حتى عاد يأكل من جديد.
ظل رامى يحلم باستكمال مشواره التعليمى بعد حصول على مؤهل فوق متوسط معهد حاسب آلى، وهو ما دفعه للعمل بإحدى شركات توزيع كروت شحن الموبايل ليستطيع توفير المبلغ اللازم لمصروفات التعليم المفتوح.
لم يكن إكمال مشوار التعليم فى الجامعة المفتوحة هو حلم رامى الوحيد، فرامى كما تقول شقيقته التى تكبره بـ7سنوات كان يهوى الفن وكان صاحب صوت جميل: «كان طول اليوم يغنى واحنا كنا نهزر معاه ونقوله كفاية بقى صدعت دماغنا»، وتضيف: من شدة حبه فى الغناء كان يتصل ببرامج صناعة النجوم والمطربين.
«كنت باعتبره ابنى مش أخويا، خاصة أن الفرق بينى وبينه 7 سنين، وكانت ماما زمان لما كان عنده سنة كانت بتسيبهولى وتخرج وانا كنت بلاعبه واغير له»، تحكى شرين عن شقيقها الشهيد.
فى آخر مرة خرج فيها يوم 25 يناير ماما قالت له متخرجش فى المظاهرات فرد: «لو ماكناش احنا نخرج دلوأتى، هنخرج إمتى؟.. هنخرج عشان نغير الوضع اللى احنا فيه كفايانا سكوت بقى».
وفى المظاهرة تلقى رصاصة من قناص، أصابت صدره، ومات فى أحضان شقيقه الاكبر محمد، بعد أن ردد الشهادة 3 مرات وهو يبتسم.
حسين طه.. «كان حلمه يبقى وكيل نيابة»
خرج من منزله يوم الجمعة 28 يناير متوجها إلى الجامعة، استعدادا للامتحان فى كلية الحقوق بالإسكندرية، وقبل خروجه مباشرة استأذن والده «يا بابا أنا هصلى الجمعة فى مسجد القائد إبراهيم وهأقف مع صحابى شوية فى المظاهرة وبعدين هطلع على الامتحان»، ليرد عليه والده «خد بالك يا ابنى».
خرج حسين طه، لكنه لم يعد.
يقول الأب: «حسين زيه زى أى شاب نفسه يفيد البلد ويشوفها كويسة». الابن الأكبر كان فى السنة الثانية بكلية الحقوق، وكان يحلم بأن يصبح وكيل نيابة، بحسب الوالد. «يوم الجمعة ما رجعش، ودورت عليه فى كل الأقسام والمستشفيات»، هذه الحالة من القلق والحيرة على مصير الابن الأكبر استمرت ثلاثة أيام، حتى عثر والده على جثمانه يوم الأحد 30 يناير، فى مشرحة كوم الدكة.
«صدمة كبيرة جدا وعزانا الوحيد إنه شهيد»، هكذا وصف الوالد حال أسرته المكونة من أب وأم وأخوين أحدهما فى الصف الأول الثانوى، والثانى فى الصف الثانى الابتدائى، متابعا: «أصحابه الله يبارك فى عمرهم مش سايبنا ولا لحظة وموجودين معانا على طول».
الوالد يرفض خروج ابنيه الآخرين فى التظاهرات المستمرة منذ بدأت الثورة، قائلا «مش مستحمل صدمات تانى»، ومبررا أيضا «احنا ساكنين فى سيدى بشر، والتظاهرات تخرج من القائد إبراهيم، وده مشوار كبير على ولادى وهما لسة صغيرين».
هكذا رحل الابن الأكبر حسين، تاركا وراءه أحلاما ما لبثت أن تتحقق، وأسرة مكلومة عزاؤها الوحيد «شفاعته لهم يوم القيامة»، ليصبح بطلا من أبطال الحرية الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن.
محمد محروس .. احتفالان فى شهر واحد.. الخطوبة والشهادة
قبل أسبوعين من استشهاده احتفلت أسرته الصغيرة بخطوبته، لكن رصاصة أطلقها أحد القناصة بقسم شرطة الدرب الأحمر اخترقت ظهر محمد وخرجت من صدره، ليلقى حتفه بعد دقائق، وينضم إلى قافلة شملت أكثر من 55 شابا أصيبوا وقتلوا أمام القسم.
«لم أكن أتخيل أن تكون نتيجة استباحة ضباط الشرطة لدم المصريين هى إظهار ترحيب الناس بهم على الشاشات بعد عودتهم إلى الشارع»، بهذه الكلمات عبرت مى محروس شقيقة الشهيد عما بداخلها بعد مقتل شقيقها على يد الشرطة، مضيفة: «لا يمكن إطلاق لفظ حماة الوطن عليهم ولكنهم بلطجية بزى رسمى».
«استشهد محمد محروس و6 آخرون برصاص ضباط شرطة قسم الدرب الأحمر الجبناء أثناء سيرهم بالمظاهرة السلمية للاحتجاج على الوضع فى بلدنا.. عزاؤنا الوحيد هو إسقاط النظام الفاسد».. هذه كانت إحدى اللافتات التى علقت أمام مدخل حارة البيبانى فى الدرب الأحمر، التى سقط فيها نحو 7 شهداء يوم 28 يناير الماضى بالرصاص الحى لضباط وزارة الداخلية، ليتحول اسم الشارع إلى «شارع الشهيد محمد محروس.. الشوباشرجى سابقا»، كما كتب على لافتة بمدخل الشارع المؤدى لبيت الشهيد.
الشهيد محمد محروس رشاد، 31 سنة، مهندس ديكور، لم يكن لديه أى انتماء سياسى أو حزبى ولكن كان لديه انتماء وطنى، هو الذى حركه ليرى ما يحدث من محاولات لتخريب أقسام الشرطة يوم 28 يناير، ليلقى حتفه برصاص أحد القناصة أثناء تصويره اعتداء ضباط شرطة قسم الدرب الأحمر على كل من يسير بالشوارع المواجهة للقسم بتوجيه الرصاص الحى المباشر إليهم.
لم يشارك محروس فى الهجوم على القسم كما تدعى الشرطة التى قالت إن ضرب النار كان بهدف الدفاع عن النفس بحجة توعد المتظاهرين لهم، ولكن فيديو صوره محروس قبل أن يصاب برصاص الشرطة الغادر أوضح أنه كان يقف على بعد شارع كامل من قسم الشرطة، وهو الفيديو الذى حاول أهله توزيعه على وسائل الإعلام لكونه أمانة لنقل فضائح الشرطة كما كان ينوى محمد فعله قبل استشهاده.
تقول مى، أخت الشهيد، إن ضرب النار من قسم الشرطة لم يكن عشوائيا ولكن من وجهوا الرصاص كانوا قناصة استهدفوا 6 شباب ونحن نعلم 3 ضباط بالقسم مسئولين مسئولية كاملة عن وفاة هؤلاء الشباب.
ماهر.. المقتول مرتين .. برصاص البلطجية والوحدة الصحية
بعد اشتعال الأحداث يوم جمعة الغضب 28 من يناير الماضى، سمع ماهر محمد عطية البالغ من العمر 25 عاما والذى كان يعمل «كهربائى» بوجود حالات سرقة وتكسير لمحال شارع جامعة الدول العربية قرر التوجه إلى هناك لا لشىء إلا للدفاع عن أموال بلده، حسب شقيقه جودة، الذى قال لـ «الشروق»، «علمت من رفاقه أنه كان واقفا بجاور إحدى محالات العصائر، إلى أن جاءت إحدى السيارات وخرج منها مجموعة من البلطجية وبدأوا فى تكسير واجهات المحال».
«فى البداية أطلقوا أعيرة نارية فى الهواء لإرهاب الشباب، الذى جاهد لحماية ممتلكات بلده، إلا أنهم بدأوا بعدها باستهداف أشخاص بعينهم، لتوجه بعدها الطلقة إلى صدر ماهر» حسب جودة.
نقله رفاقه إلى مستشفى مصطفى محمود بالمهندسين، التى رفضت استقباله وتركته ملقيا فى دمائه نحو 15 دقيقة فى قسم الاستقبال، حسب الحاج محمد، والد ماهر.
«عقبال ما راحوا يندهوا الدكاترة جاء أمر الله» قال والده الذى كان جالسا فى بيته لا يعرف شيئا عن تلك الأحداث، حتى الساعة الثانية صباح يوم 29 يناير، حينما حمل أصدقاء ماهر جثته وذهبوا بها إلى منزل والده فى أرض اللواء.
صباح يوم 29 من يناير توجه والد ماهر إلى الوحدة الصحية بأرض اللواء لاستخراج تصريح دفن لفقيده إلا أن العاملين بالوحدة طالبوه باستخراج إذن من النيابة.
ما كان للوالد المكلوم إلا أن يتوجه لمقر النيابة إلا أنه وجدها مغلقة، توجه بعدها لقسم شرطة أرض اللواء ليجد الوضع ذاته.
عاد الرجل إلى الوحدة الصحية، يتوسل العاملين بالوحدة الصحية أن يخط قلمهم ورقة يتمكن بها من مواراة جثمان ماهر إكراما له.
«لازم إذن من النيابة، ملناش دعوة بيه، استنى لغاية ما المصالح تفتح» هكذا كان ردهم لأب يعتصره الالم على وفاة فلذة كبده، لم يجد سوى الإلحاح والتوسل ليضطر أخيرا لقبول مساومة إحدى العاملات بالوحدة الصحية، والتى قالت له «لازم تمضى على إقرار بأنك لن تطالب الدولة بأى حقوق مقابل الحصول على تصريح الدفن».
أحمد صلاح قال لخالته: «نص ساعة وراجع».. وغاب إلى الأبد
«متخافيش مش هتأخر أكثر من نصف ساعة» كانت هذه هى الكلمات الأخيرة لأحمد صلاح ابن الـ19 عاما، وهو يهم بالخروج من منزل خالته التى ترعاه منذ أن كان فى المرحلة الإعدادية.
الخالة المكلومة تحكى: «قالى نص ساعة بس هاروح أزور واحد صاحبى بعد صلاة الجمعة، لكنه مرجعش تانى».
تأتى الساعة التاسعة والنصف مساء لتحمل تفسيرا لعدم عودة الصبى للمنزل: «بالليل جاء أصحابه وقالوا لى أحمد تعبان شويه وموجود فى مستشفى أحمد ماهر، لكن أنا فهمت من وشوشهم أن فى حاجه كبيره حصلت».
بعد لحظات، وصلت الخالة إلى المستشفى وعرفت أن ابن شقيقتها الذى تعتبره ابنها قد «مات».
طلق نارى فى منتصف الصدر أوقف عضلة القلب، ولم تنجح عمليات الإنعاش فى المستشفى فى منع الوفاة، وهو ما ورد فى التقرير الطبى الذى حصل عليه أهل الشهيد. التقرير أوضح أن الحالة العامة للشاب عند دخوله المستشفى كانت «سيئة جدا».
«دول كانوا منشنين عليه» فى صوت مشترك قالتها والدته وخالته ووالده، وهم يؤكدون أن ابنهم لم يقتل عشوائيا، فكيف يصيبون قلبه إن كان الهدف مجرد إخافة المتجمهرين أمام قسم الشرطة؟.
تقول خالته إن أصدقاء أحمد أخبروها بأنه قتل خلال وجوده بالقرب من قسم الدرب الأحمر، «كان بيحب الحياة.. كسروا أحلامه».
قبل ثلاثة أيام فقط وبعد إفاقة أهله جزئيا من الصدمة، قرر والده الذهاب لمقر قسم شرطة الدرب الأحمر للتعرف على الضابط الذى قتل ابنه، ولم يجد سوى ضابط يلقب بـ«سامى العراقى»، سؤال واحد فقط وجهه والد أحمد للضابط «إنت اللى قتلت ابنى؟» فجاءه الرد: «مش أنا اللى قتلته والله».
وقف والد أحمد يحدث نفسه لا يدرى ماذا يفعل وإلى من يلجأ، فكّر فى التوجه لمبنى الإذاعة والتليفزيون علّه يجد هناك من يساعده فى التعرف على الضابط الذى قتل ابنه، ولكنه فوجئ بمنعه من الدخول «قولتلهم أنا عايز مساعدتكم عشان أعرف مين اللى قتل ابنى، فقالوا لى اكتب لنا شكوى، وعاملونى زى ما أكون لابس حزام ناسف».
الحاج صلاح الذى قضى عمره فى خدمة القوات المسلحة وشارك فى حرب أكتوبر 1973، يقف الآن عاجزا، لا يجد مسئولا واحدا يستطيع مساعدته للتعرف على قاتل ابنه.
«ده طفل لسه فى أولى جامعة وملحقش التيرم الأول.. عملنا له الكارنيه وكل حاجة وكان هيبدأ دراسة من التيرم التانى فى الجامعة العمالية»، تقول والدته وتتساءل: «ما الذى فعله أحمد؟ هو ليس ناشطا سياسيا ولم تسبق له المشاركة فى مظاهرات».
ليس لدى أهل أحمد سوى الدعاء، «إحنا مش عايزين فلوس.. عايزين اللى حرقوا قلوبنا يتحاسبوا».
التقارير الطبية: الشرطة تعمدت قتل المتظاهرين بالرصاص الحى
كشفت التقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات المختلفة والخاصة بأسباب وفاة المتظارهين فى مظاهرات ثورة 25 يناير عن أن جميع حالات الوفاة نتجت عن أعيرة نارية اطقت بشكل مباشر على رءوس وصدور الشهداء، وإن اطلاق النار لم يكن بشكل عشوائى أو على الأقدام.
وفى هذا الإطار أكد اللواء فؤاد علام وكيل مباحث أمن الدولة السابق أن التعليمات التى توجه لضباط وأفراد الشرطة هى عدم إطلاق النار إلا فى حالات محددة وعلى رأسها وجود خطر يهدد الأمن العام.
وأوضح علام أنه من المفترض تحذير المتظاهرين بالميكروفون أولا لتفريقهم ثم إطلاق النار فى الهواء، ثم الحل الأخير اطلاق النار على الأقدام بهدف الإصابة وليس القتل، مؤكدا أنه لا توجد أى تعليمات بإطلاق النار على الرأس أو الصدر، ومشيرا إلى أن هذه الإجراءات يتم اللجوء إليها فقط فى عمليات التخريب والحرق وليس ضد التظاهر السلمى.