امرأة تطلب من زوجها الطلاق بحجة أنها تشعر اتجاهه بالنفور فهل يحق لها ذلك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
على المرأة المسلمة الثابتة المتمسكة بأمر دينها، أن تصبر على زوجها وتحتسب أمرها لله تعالى إن استطاعت إلى ذل
ك سبيلا، فأجر صبرها على زوجها أجر المجاهد في سبيل الله .
لذا على المرأة في حالة طروء النفور بين الزوجين أن تحاول جادة استنفاد جميع الطرق والوسائل المادية والمعنوية لاستمالة قلب زوجها واسترضائه والتودد اليه إما بالتزين وإما بالكلمة الحانية اللطيفة.وعليها أن تقف على الأسباب التي تنفرها من زوجها وتحاول معالجتها بطريقة ذكية وحكيمة.
فإن وجدت أن بعض هذه الأسباب يعود الى زوجها كأن يكون مثلا لا يحسن التعامل معها أو لا يتزين لها أو مهملا لبعض الجوانب النفسية التي تسعف في ديمومة الحياة الزوجية واستقرارها كإخراجها من البيت للتنزه مثلا أو لزيارة الأقارب والأصحاب فإنها بهذه الحالة عليها أن تراجع الزوج في مثل هذه الأمور وتطلب منه التعاون معا على تحقيقها من أجل السعي لتحقيق المودة والاستقرار داخل البيت.
وكما أنه ينبغي تذكير الأخت السائلة أنه فيما لو كرهت من زوجها خلقا معينا فعليها أن تنظر الى ما تحبه من خلقه وتصرفاته، فليس هنالك رجل كامل كما أنه ليس هناك امرأة كاملة، فيستحيل أن يكون الرجل على مزاج امرأته تماما كما هي تريد ويستحيل أيضا أن تكون الزوجة على مزاج زوجها كما يريد.
كما أحذر الأخت السائلة التي تشعر بنفور تجاه زوجها من الاختلاط المحرم بالرجال أو مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تبث الاختلاط وتزيد في أذهان الناس العلاقات المحرمة بين النساء والرجال ، فلقد ثبت بالدليل القطعي الذي لا ينكره عاقل أن الاختلاط من أكثر الأسباب تأثيرا على استقرار الحياة الزوجية، بل هو الركن الأساس في تصدع أركانها وانهيار بنيانها.
وبعد استنفاد جميع الطرق والوسائل السابقة في سبيل انعاش الحياة الزوجية واستمرارها، فإذا رأت الأخت السائلة أن الحياة الزوجية مع هذا الرجل مستحالة ومستعصاة فلها أن تطلب الطلاق في هذه الحالة مقابل أن تتنازل عن حقوقها في المهر والنفقة، وهذا ما يسمى في الإسلام بالخلع حتى لا تفرط في حق الزوج المفروض عليها.
والخلع هو: النزع والإزالة. وفي اصطلاح الفقهاء هو نزع ملكية الزوج عن عصمة زوجته وإزالة النكاح الذي كان بينهما مقابل عوض تدفعه الزوجة. وذلك إذا تضررت الزوجة من بقإعلان
ائها في عصمة الزوج بسبب سوء خلقه أو نقص دينه أو كبره أو ضعفه، وخافت أن تأثم بتفريطها في بعض حقوقه، فلها أن تبذل له مالاً ليفارقها، (فتح الباري ج: 9 ص: 400) .
والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }البقرة:229.فأول خلع وقع في الإسلام هو خلع امرأة ثابت بن قيس بن شماس وهي جميلة بنت عبد الله بن أبيّ، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إقبل الحديقة وطلقها تطليقة،(فتح الباري ج: 9 ص: 400).
وخلاصة الأمر:
أولاً: أنه لا ينبغي للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها، إلا إذا كانت تتضرر بالبقاء معه تضرراً شديداً، أما إذا طلبت ذلك دون مبرر صحيح، فهي معرضة للوعيد الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة"، (صحيح ابن حبان ج: 9 ص: 490، وسنن الترمذي ج: 3 ص: 493، وسنن الدارمي ج: 2 ص: 216، سنن البيهقي الكبرى ج: 7 ص: 316، وسنن ابن ماجه ج: 1 ص: 662)، وقال الترمذي: حديث حسن ، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
ثانياً: أن الله تعالى قد أرشد إلى الصلح، فقال: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء:128].
وعلى الزوجين السعي في حل مشاكلهما، وإصلاح ما فسد بينهما، فإن تعذر ذلك، فقد أرشد الله تعالى إلى بعث الحكمين من أهلهما.
فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيرا} [النساء:35].
فيختار حكمان من أهلهما من أولي العقل والحكمة، فإن لم يوجد في أهلهما بعث حكمان من غيرهما ممن يعرف بالثقة والأمانة للعمل على الإصلاح بينهما.